Thursday, January 8, 2015

اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا هنا مقاله بعنوان الجـامع المفيـد لدروس تعلم التوحيـد مدخل بسيط لتعلم دين الإسلام الجزء الثالث وهى منقوله من منبر التوحيد لمن اراد النسخة كامله

بسم الله الرحمن الرحيم  
نتناول موضوع مفيد لمن يريد ان يتعلم تعالم دينه الصحيح تعاليم دين الاسلام من خلال مدخل بسيط لتعليم دين الاسلام للشيخ العلامه أبو الفضيل ناصر الدين بن عبد الرحمن النعيمي 

  الدرس الرابع
كيفية العمل بلا إله إلا الله وتطبيقها والالتزام بها في واقع الحياة
علمنا مما سبق أن الذي يُدخل الرجل في الإسلام، هو: توحيد الإلهية، وهو: ألا يعبد إلا الله، ولا يشرك به شيئا، وأن يكفر ويجتنب كل ما يعبد من دونه، وأن ذلك بالقول والعمل لا بالقول فقط.
وكما قلنا أن الإسلام هو صراط الله المستقيم الذي يسير عليه المسلم ملتزما بحدوده حتى يلقى الله عز وجل، وأنه منهج كامل للحياة كلها يُنظمها ويُسيِّرها كما يريد الله عز وجل وليس مقصورا على علاقة العبد بربه فقط بل هو نظام كامل وشامل لجميع جوانب الحياة، وقلنا أن الذي يحصرونه في مجموعة عقائد غيبية وشعائر تعبدية ويُنَحُّونه عن بقية جوانب الحياة الأخرى لا يفهمون الإسلام ولا يدينون به، بل هم في الحقيقة يدينون بالعلمانية ويرفضون الإسلام، وأن الذي يفهمه ويدين به حقا هو من فهمه كما يحدده الله ويدين به كما يريد الله، قال تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ )(الأنعام: 161-  164).
ونتكلم في هذا الدرس - بعون الله – عن كيفية تطبيق والتزام التوحيد في الواقع العملي للحياة.
وبما أن تحقيق التوحيد متوقف على ثلاثة أمور: ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئا، ونكفر ونخلع كل ما يعبد من دونه. 
فسيكون الحديث – بعون الله – عن الأمرين الأولين : ألا نعبد إلا الله ، ولا نشرك به شيئا . وسنُرجي الحديث عن الأمر الثالث في درس آخر إن شاء الله.
ولمعرفة كيفية العمل بهذين الأمرين لابد أن نعرف أولاً: ما هي العبادة التي لا يستحقها إلا الله؟ وما هي أنواعها؟
تعريف العبادة 
قال شيخ المفسرين الإمام الطبري رحمه الله: معنى العبادة الخضوع لله بالطاعة والتذلل له بالاستكانة.
وقال أيضا: العبودية عند جميع العرب أصلها الذلة، وأنها تسمي الطريق المذلل الذي قد وطئته الأقدام وذللته السابلة معبَّدا ..... ومن ذلك قيل للبعير المذلَّل بالركوب في الحوائج مُعبَّد، ومنه سمي العبد عبدا لذِلَّتِه لمولاه .
والشواهد من أشعار العرب وكلامها على ذلك أكثر من أن تحصى...
- وقال : وكان ابن عباس فيما روي لنا عنه يقول في ذلك نظير ما قلنا فيه، غير أنه ذكر عنه أنه كان يقول في معنى اعبدوا ربكم وحِّدوا ربكم ..... 
والذي أراد ابن عباس - إن شاء الله - بقوله في تأويل قوله (اعبدوا ربكم) وحدوه أي أفردوا الطاعة والعبادة لربكم دون سائر خلقه.
- وقال أيضا في تفسير قوله تعالى: (وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ)(المؤمنون: من الآية47)، يعنون أنهم لهم مطيعون متذللون يأتمرون لأمرهم ويدينون لهم. 
والعرب تسمي كل من دان لملك عابدا له، ومن ذلك قيل لأهل الحيرة العباد لأنهم كانوا أهل طاعة لملوك العجم.  انتهى
وقال ابن كثير: والعبادة في اللغة من الذلة يقال طريق مُعبَّد وبعير معبد أي مذلل، وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف. انتهى
وقال الإمام البغوي: قال ابن عباس كل ما ورد في القرآن من العبادة فمعناها التوحيد.
وقال البغوي أيضا في تفسير قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ)، أي نوحدك ونطيعك خاضعين، والعبادة الطاعة مع التذلل والخضوع، وسمي العبد عبدا لذلته وانقياده يقال طريق معبد أي مذلل. انتهى
وقال النحاس في معاني القرآن: والعبادة في اللغة الطاعة مع تذلل وخضوع. انتهى
ويقول الرازي في مختار الصحاح: وأصل العبودية الخضوع والذل، و التعبيد التذليل، يقال طريق معبد، و التعبيد أيضا الاستعباد وهو اتخاذ الشخص عبدا وكذا الاعتباد وفي الحديث "رجل اعتبد محررا" وكذا الإعباد و التعبد أيضا يقال تعبده أي اتخذه عبدا، و العبادة الطاعة، و التعبد التنسك. انتهى
وقد فسَّر جمهور أهل العلم العبادة في قوله تعالى: (أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ)(يّـس: من الآية60) بالطاعة، أي لا تطيعوا الشيطان. وكذلك قوله تعالى: (يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ)(مريم: من الآية44). وقوله تعالى: (بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ)(سـبأ: من الآية41).
وقال ابن تيمية رحمه الله: العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة . 
فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبرّ الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة .
وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله.............
والدين يتضمن معنى الخضوع والذل، يقال دنته فدان أي أذللته فذَلَّ، ويقال يدين الله ويدين لله أي يعبد الله ويطيعه ويخضع له، فدين الله عبادته وطاعته والخضوع له .
والعبادة أصل معناها الذل أيضا يقال طريق معبد إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام .
لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب فهي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له.
وقال - رحمه الله - في المعنى العبد: أن العبد يراد به (المعبَّد) الذي عبَّده الله فذلّله ودبَّره وصرَّفه وبهذا الاعتبار المخلوقون كلهم عباد الله من الأبرار والفجار والمؤمنين والكفار وأهل الجنة وأهل النار إذ هو ربهم كلهم ومليكهم لا يخرجون عن مشيئته وقدرته وكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر فما شاء كان وإن لم يشاءوا وما شاءوا إن لم يشأه لم يكن، كما قال تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (آل عمران:83) 
فهو سبحانه رب العالمين وخالقهم ورازقهم ومحييهم وممييتهم ومقلب قلوبهم ومصرف أمورهم لا رب لهم غيره ولا مالك لهم سواه ولا خالق إلا هو، سواء اعترفوا بذلك أو أنكروه وسواء علموا ذلك أو جهلوه، لكن أهل الإيمان منهم عرفوا ذلك واعترفوا به بخلاف من كان جاهلا بذلك أو جاحدا له مستكبرا على ربه لا يقر ولا يخضع له مع علمه بأن الله ربه وخالقه....
فإن اعترف العبد أن الله ربه وخالقه وأنه مفتقر إليه محتاج إليه عرف العبودية المتعلقة بربوبية الله، وهذا العبد يسأل ربه فيتضرع إليه ويتوكل عليه لكن قد يطيع أمره وقد يعصيه وقد يعبده مع ذلك وقد يعبد الشيطان والأصنام.
ومثل هذه العبودية لاتفرِّق بين أهل الجنة والنار ولا يصير بها الرجل مؤمنا كما قال تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (يوسف:106)،  فإن المشركين كانوا يقرون أن الله خالقهم ورازقهم وهم يعبدون غيره.....
فمن وقف عند هذه الحقيقة وعند شهودها ولم يقم بما أُمر به من الحقيقة الدينية التي هي عبادته المتعلقة بإلهيته وطاعة أمره وأمر رسوله كان من جنس إبليس وأهل النار. 
وإن ظن مع ذلك أنه خواص أولياء الله وأهل المعرفة والتحقيق الذين يسقط عنهم الأمر والنهى الشرعيان كان من أشر أهل الكفر والإلحاد ..... حتى يدخل في النوع الثاني من معنى العبد وهو (العبد بمعنى العابد) فيكون عابدا لله لا يعبد إلا إياه فيطيع أمره وأمر رسله ويوالى أولياءه المؤمنين المتقين ويعادي أعداءه، وهذا العبادة متعلقة بإلهيته، ولهذا كان عنوان التوحيد (لا إله إلا الله) بخلاف من يقر بربوبيته ولا يعبده أو يعبد معه إلها آخر، فالإله الذي يؤلهه القلب بكمال الحب والتعظيم والإجلال والإكرام والخوف والرجاء ونحو ذلك، وهذه العبادة هي التي يحبها الله ويرضاها، بها وصف المصطفين من عباده وبها بعث رسله.. انتهى
ويقول ابن القيم رحمه الله في بدائعه عند ذكره لما في سورة الكافرون من فوائد، قال: 
وأما في حقهم (أي في حق الكفار) فإنما أتى بالاسم (ولا أنتم عابدون ما أعبد) الدال على الوصف والثبوت دون الفعل، أي أن الوصف الثابت اللازم العائد لله مُنْتَفٍ عنكم، فليس هذا الوصف ثابتا لكم، وإنما ثبت لمن خصَّ الله وحده بالعبادة لم يشرك معه فيها أحدا، وأنتم لمَّا عبدتم غيره فلستم من عابديه، وإن عبدوه في بعض الأحيان فإن المشرك يعبد الله ويعبد معه غيره، كما قال أهل الكهف: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ)(الكهف: من الآية16)، أي اعتزلتم معبودهم إلا الله فإنكم لم تعتزلوه .
وكذا قال المشركون عن معبودهم (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)(الزمر: من الآية3)، فهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه غيره، فلم ينتفِ عنهم الفعل لوقوعه منهم، ونفي الوصف لأن من عبد غير الله لم يكن ثابتا على عبادة الله موصوفا بها. فتأمل هذه النكتة البديعة كيف تجد في طيها أنه لا يوصف بأنه عابد الله وعبده المستقيم على عبادته إلا من انقطع إليه بكليته وتبتَّل إليه تبتيلا لم يلتفت إلى غيره ولم يشرك به أحدا في عبادته، وأنه وإن عبده وأشرك به غيره فليس عابدا لله ولا عبدا له، وهذا من أسرار هذه السورة العظيمة الجليلة التي هي إحدى سورتي الإخلاص التي تعدل ربع القرآن - كما جاء في بعض السنن - وهذا لا يفهمه كل أحد ولا يدركه إلا من منحه الله فهما من عنده فلله الحمد والمنة... انتهى 
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: أما تعريف العبادة، فقد عرَّفها شيخنا محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، في فوائده على كتابه: كتاب التوحيد، بأن العبادة هي: التوحيد، لأن الخصومة فيه، وأن من لم يأت به لم يعبد الله، فدل على أن التجرد من الشرك، لا بد منه في العبادة، وإلا فلا يسمى عبادة.انتهى
وقال رحمه الله في كتابه فتح المجيد: وضابط هذا: أن كل أمر شرعه الله لعباده وأمرهم به ففعله لله عبادة، فإذا صرف من تلك العبادة شيئا لغير الله فهو مشرك مصادم لما بعث الله به رسوله من قوله: (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) (الزمر:14) .
وقال أيضا : والدين: كل ما يدان الله به من العبادات الظاهرة والباطنة......، فمن صرف منها شيئا لقبر أو صنم أو وثن أو غير ذلك، فقد اتخذه معبودا وجعله شريكا لله في الإلهية التي لا يستحقها إلا هو.انتهى
وقال الشيخ عبد الله أبو بطين: ومما يوضح ذلك معرفة حد العبادة في الشرع وأنها كل ما أمر الله به ورسوله أمر إيجاب أو استحباب فهو عبادة.
وبعض العلماء يقول العبادة هي الطاعة، فيتناول فعل المأمور وترك المحظور، ومما أمر الله به سبحانه دعاؤه وسؤاله قال تعالى : {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55]....... فإذا امتثل العبد أمر ربه فدعاه مخلصا صار ذلك عبادة منه لربه، فإذا دعا غيره فقد عبد ذلك الغير. وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم "الدعاء هو العبادة". وفي الحديث الآخر: "الدعاء مخ العبادة". فسمى النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء عبادة، فالدعاء في نفسه عبادة فكل مدعو معبود..انتهى
ويقول سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن عند قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ..)(التوبة: من الآية31)، يقول: 
- أن العبادة هي الاتباع في الشرائع بنص القرآن وتفسير رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم – {يقصد حديث عدي بن حاتم: (... فَانْتَهَيْتُ إليه وهو يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةٌ فَقَرَأَ هذه الآيَةَ (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا من دُونِ اللَّهِ) حتى فَرَغَ منها، فقلت: إنا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ. فقال: أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ ما أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ وَيُحِلُّونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟ قلت بَلَى. قال: فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ)}. فاليهود والنصارى لم يتخذوا الأحبار والرهبان أربابا بمعنى الاعتقاد بألوهيتهم أو تقديم الشعائر التعبدية إليهم .. ومع هذا فقد حكم اللّه - سبحانه - عليهم بالشرك في هذه الآية - وبالكفر في آية تالية في السياق - لمجرد أنهم تلقُّوا منهم الشرائع فأطاعوها واتبعوها .. فهذا وحده - دون الاعتقاد والشعائر - يكفي لاعتبار من يفعله مشركا باللّه، الشرك الذي يخرجه من عداد المؤمنين ويدخله في عداد الكافرين.
- أن النص القرآني يسوي في الوصف بالشرك واتخاذ الأرباب من دون اللّه، بين اليهود الذين قبلوا التشريع من أحبارهم وأطاعوه واتبعوه، وبين النصارى الذين قالوا بألوهية المسيح اعتقاداً وقدَّموا إليه الشعائر في العبادة. فهذه كتلك سواء في اعتبار فاعلها مشركا باللّه، الشرك الذي يخرجه من عداد المؤمنين ويدخله في عداد الكافرين ..
- أن الشرك باللّه يتحقق بمجرد إعطاء حق التشريع لغير اللّه من عباده ولو لم يصحبه شرك في الاعتقاد بألوهيته ولا تقديم الشعائر التعبدية له ...... 
إن دين الحق الذي لا يقبل اللّه من الناس كلهم دينا غيره هو (الإسلام) .. والإسلام لا يقوم إلا باتباع اللّه وحده في الشريعة - بعد الاعتقاد بألوهيته وحده وتقديم الشعائر التعبدية له وحده - فإذا اتبع الناس شريعة غير شريعة اللّه صح فيهم ما صح في اليهود والنصارى من أنهم مشركون لا يؤمنون باللّه - مهما كانت دعواهم في الإيمان - لأن هذا الوصف يلحقهم بمجرد اتباعهم لتشريع العباد لهم من دون الله.....انتهى
وأظن أن ما ذكرناه كافٍ لمعرفة معنى العبادة.
فهم ناقص وخاطئ للعبادة
من الناس من فهم العبادة فهما مبتوراً ناقصا جزئيا فالعبادة عنده لا تتعدى أداء الشعائر التعبدية كالصلاة والصيام والزكاة والعمرة والحج والذكر وتلاوة القرآن..، وأما ما شرع الله عز وجل من الحدود والعقوبات وأحكام المعاملات والحرب والصلح والمواريث.. وغيرها فلا يدخلونها في مسمى العبادة التي يجب إخلاصها لله وحده، وهذا فهم خاطئ مخالف لما يحدده الله عز وجل، وقد سبق أن أشرنا له في درسنا الثاني عند الحديث عن المفهوم العلماني الخاطئ للدين. والمفهوم الصحيح للعبادة يدخل فيه الدين كله كما سبق في بداية هذا الدرس.
والله عز وجل لم يفرق بين عبادة وغيرها في وجوب إخلاصها له وحده، بل أمر أمراً عاماً بعبادته وحده وترك عبادة ما سواه، ولم يخص بذلك نوعًا من أنواع العبادة، لا دعاء ولا صلاة ولا غيرهما، ليَعُمَّ جميع أنواع العبادة، ونهى عن الشرك به، ولم يخص أيضًا نوعًا من أنواع العبادة بجواز الشرك فيه، فالدين لا يكون خالصا لله إلا إذا كانت العبادة كلها بجميع أنواعها خالصة لله وحده.
أنواع العبادة
وأما أنواع العبادة فكثيرة، نذكر بعض أفرادها تمثيلا لما بيَّنَّاه سابقاً من معناها:
فمنها: الصلاة، قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة:43)، وقال أيضاً:  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا)، فالركوع والسجود عبادة .  ومنها: الدعاء، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). 
ومنها: الذبح، قال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ).
ومنها: الخوف من الله، قال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، فالخوف عبادة.
ومنها: التوكل، قال تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، فالتوكل عبادة، وهو الاعتماد على الله في جلب الخير ودفع الشر.
ومنها: الاستغفار والتوبة، قال عز وجل: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) (هود:90)  ومنها: الإنابة، قال تعالى: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (الزمر:54) 
ومنها: الاستعاذة، قال تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) (الفلق:1)  ومنها: الجهاد بالنفس والمال، قال تعالى: (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )(التوبة: من الآية41)
ومنها: الرغبة و الرهبة و الاستغاثة و الشكر و تلاوة  القرآن وذكر الله والصيام .. وغير ذلك
ومنها: الحكم بين الناس بما أنزل الله، قال تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ)، وقوله: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ)(النساء: من الآية105).
ومنها: التحاكم إلى الله ورسوله، قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليوم الآخر). 
وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)، وقال: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
ومنها: طاعة الله فيما أحله وفيما حرمه، ومن أمثلة ذلك:
قال تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ)، فالله عز وجل أحل لنا الأكل مم ذبحناه وذكرنا اسم الله عليه، فطاعة الله في تحليل هذه الذبيحة عبادة.
وقال تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ)، فتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير عبادة .  
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فتحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام عبادة.
ومنها: طاعة الله في تطبيق حدوده، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ..)(البقرة: من الآية178). 
وقوله: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ )(المائدة: من الآية45) 
وقوله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)(النور: من الآية4) وقوله: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)(النور: من الآية2)
وقوله: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)(المائدة: من الآية38)
وقوله عليه السلام: (من بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ)
وقوله: (حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ)
إلى غير ذلك من العبادات التي شرعها الله عز وجل في كتابه وما أوحاه إلى رسوله من السنة الشريفة.  
وأعظم ما أمر الله به هو التوحيد، وأعظم ما نهى الله عنه الشرك. 
التوحيد إخلاص العبادة كلها لله والشرك صرف شيء منها لغير الله
إذا عرفنا ما هي العبادة التي خلقنا الله من أجلها والتي أمر الله بإخلاصها له وحده، وعرفنا بعض أنواعها، فتوحيد الإلهية هو إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة ونفي العبادة عن كل ما سوى الله، وضِدُّ ذلك هو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله وهو الشرك بالله عز وجل.
فلا يجوز صرف شيء من العبادة لغير الله، ومن صرف منها شيئا لغيره؛ فقد جعل ذلك الغير شريكا له في الألوهية، وصَرْفُ شيء من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها، فلا إله إلا الله، تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله تعالى، وتثبت جميع أنواع العبادة كلها لله وحده لا شريك له.
ودين الإسلام هو الاستسلام لله وحده، والخضوع له وحده، وأن لا يُعبد بجميع أنواع العبادة سواه.
وإخلاص الدين هو: صرف جميع أنواع العبادة لله تعالى وحده لا شريك له ؛ وذلك بأن لا يُدعى إلا الله، ولا يستغاث إلا بالله، ولا يذبح إلا لله، ولا يخشى ولا يرجى سواه، ولا يُرهب ولا يُرغب إلا فيما لديه، ولا يتوكل في جميع الأمور إلا عليه، وأن العبادة كلها لله تعالى، لا يصلح منها شيء لملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا غيرهما؛ وهذا هو بعينه توحيد الألوهية الذي أسس الإسلام عليه، وانفرد به المسلم عن الكافر، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله. 
وكما أسلفنا سابقاً أن لا إله إلا الله، ليست باللسان فقط، بل لابد لمن يريد أن يكون من أهلها أن يعرف معناها ويعتقده ويشهد به ويعمل وينقاد له.
وأكثر من يقول لا إله إلا الله اليوم يجهل معناها ولا يفرق بين التوحيد والشرك، فلا يعلم أن دعاء غير الله أو التوكل أو الاستعاذة أو الذبح والنذر لغير الله شرك بالله يهدم قول لا إله إلا الله ويبطله.
وكذلك لا يعلمون أن اتباع شريعة غير الله أو الحكم بها أو التحاكم إليها شرك وكفر بالله العظيم لا ينفع معه قول لا إله إلا الله وإن قالها في اليوم ألف مرة.
فاحرص يا عبد الله على تعلم التوحيد وما يضاده ويهدمه من الشرك؛ فإن هذا من أول الواجبات عليك، ولن تعرف الإسلام إلا إذا عرفت التوحيد الذي تدل عليه كلمة لا إله إلا الله، وعرفت ما تنفيه وما تثبته.
وليس ذلك بعسير إن شاء الله فاستعن بالله ولا تعجز.
فالتوحيد هو عبادة الله وحده، والشرك هو عبادة غير الله.
مثلا: الصلاة عبادة، فالصلاة لله وحده توحيد، والصلاة لغير الله شرك.
فالموحد هو الذي يصلي لله وحده، ومن صلى لله ولغير الله صار هذا مشركا.
وكذلك سائر أنواع العبادة.
فإذا كان من صلى لغير الله، أو ركع لغير الله، أو سجد لغير الله، فقد أشرك في عبادة الله غيره، فكذلك من ذبح القربان لغير الله، أو دعا غير الله فقد أشرك في عبادة الله غيره.
فإذا عرفت هذا عرفت أصل الدين الذي يفرق بين المسلم والكافر وبين الإسلام والكفر وهو معنى لا إله إلا الله.
أمور هامة لابد من معرفتها
ولابد أن تعلم أنه:
لا فرق بين عبادة وأخرى في وجوب إخلاصها لله وحده.
وأن التوحيد لا يصح إلا إذا كانت العبادة كلها لله.
وأن الشرك يحصل بصرف عبادة واحدة لغير الله حتى وإن لم يشرك في باقي العبادات.
وأنه لا فرق بين صرف العبادة لملَك أو نبي أو ولي أو جن أو شيطان أو حجر أو شجر أو شيخ أو حاكم ؛ كل ذلك شرك بالله، يستوي من عبد الملائكة والأنبياء والصالحين ومن عبد الأصنام والجن والشمس والقمر؛ كل أولئك مشركون بالله.
أرأيت أن الصعوبة والمشقة ليست في معرفة التوحيد ولكن في التزامه والعمل به والموالاة والمعاداة عليه.
وكما قلنا سابقا أن الإيمان بلا إله إلا الله يتحقق بثلاثة أمور:
ألا تعبد إلا الله، ولا تشرك به شيئا، وتخلع وتكفر بما يعبد من دونه. اعتقادا وقولا وعملا.
وتحقيق الأمرين الأولين في واقع الحياة على النحو التالي:
كيف تحقق هذين الأمرين: ألا تعبد إلا الله ولا تشرك به شيئا
ألا تعبد بجميع أنواع العبادة إلا الله، ولا تعبد غيره بأي نوع من أنواع العبادة 
فإن عبدت الله وحده ولم تعبد غيره فأنت موحد مؤمن بلا إله إلا الله 
وإن عبدت الله وعبدت غيره صرت مشركا كافرا بلا إله إلا الله وإن قلتها بلسانك.
والآن لنستبدل لفظ (عَبَدَ) في الكلام السابق بأنواع العبادة التي ذكرناها في بداية الدرس لنعرف كيف نعمل بالتوحيد ونبرأ من الشرك في الواقع العملي.
الصلاة
فمثلا الصلاة عبادة.
فالتوحيد ألا تصلي إلا لله ولا تصلي لغيره.
فإن صليت لله وحده ولم تصل لغيره فأنت موحد مؤمن بلا إله إلا الله.
وإن صليت لله وصليت لغير الله صِرْتَ مشركا كافرا بلا إله إلا الله وإن قلتها بلسانك.
الدعاء
والدعاء عبادة
فالتوحيد ألا تدعو إلا الله ولا تدعو غيره.
فإن دعوت الله وحده ولم تدعُ غيره فأنت موحد مؤمن بلا إله إلا الله.
وإن دعوت الله ودعوت غير الله صِرْتَ مشركا كافرا بلا إله إلا الله وإن قلتها بلسانك.
التوكل
والتوكل عبادة وهو اعتماد القلب على الله في جلب الخير ودفع الشر
فالتوحيد ألا تتوكل إلا على الله ولا تتوكل على غيره.
فإن توكلت على الله وحده ولم تتوكل على غيره فأنت موحد مؤمن بلا إله إلا الله.
وإن توكلت على الله وتوكلت على غير الله صِرْتَ مشركا كافرا بلا إله إلا الله وإن قلتها بلسانك.
وقس على ذلك المحبة والخوف والرجاء والخشوع والخشية والذبح والطواف والاعتكاف والنذر والتوبة والإنابة وغير ذلك.
الحكم بين الناس بما أنزل الله.
فالتوحيد ألا نحكم إلا بما أنزل الله ولا نحكم بما شرع غيره.
فإن حكمنا بما أنزل الله وحده ولم نحكم بما شرع غيره فنحن على الإسلام موحدون مؤمنون بلا إله إلا الله.
وإن حكمنا بما أنزل الله في جانب وحكمنا بما شرع غير الله في جانب آخر خرجنا عن الإسلام وصِرْنا مشركين كافرين بلا إله إلا الله وإن قلناها بألسنتنا.
هل فهمت هذا جيدا؟ 
التحاكم إلى الله ورسوله عند الاختلاف والنزاع والمخاصمة والتشاجر
فالتوحيد ألا نحتكم ولا نتحاكم في كل صغيرة وكبيرة إلا لحكم الله ورسوله ولا نحتكم ولا نتحاكم إلى غير الله ورسوله.
فإن احتكمنا وتحاكمنا إلى شريعة الله وحده ولم نحتكم أو نتحاكم إلى ما شرع غيره فنحن على الإسلام موحدون مؤمنون بلا إله إلا الله.
وإن احتكمنا وتحاكمنا إلى شريعة الله في أمور، واحتكمنا وتحاكمنا إلى ما شرع غير الله في أمور أخرى خرجنا عن الإسلام وصِرْنا مشركين كافرين بلا إله إلا الله وإن قلناها بألسنتنا.
هل فهمت هذا جيدا؟ 
طاعة الله فيما أحله وفيما حرمه واتباعه فيما شرعه 
فالتوحيد ألا نطيع ولا نتبع إلا ما شرعه الله وحده في التحليل والتحريم والحدود والعقوبات والمعاملات والحقوق والواجبات وغيرها ولا نطيع ولا نتبع ما شرع غيره في ذلك كله.
فإن أطعنا الله وحده واتبعنا ما شرعه في ذلك كله، ولم نطع غيره فيما يخالفه ولم نتبع ما شرعه غيره في ذلك كله فنحن على الإسلام موحدون مؤمنون بلا إله إلا الله.
وإن أطعنا الله واتبعنا ما شرعه في جانب، وأطعنا غيره واتبعنا شريعة غيره في جانب آخر خرجنا عن الإسلام وصِرْنا مشركين كافرين بلا إله إلا الله وإن قلناها بألسنتنا.
هل فهمت هذا جيدا؟ 
وهكذا سائر أنواع العبادة وكل ما شرعه الله من الدين، كل ذلك يجب أن يكون خالصا لله وحده.
فمن فهم هذا فقد عرف كيف يُفرد الله بالعبادة.
هذا هو بيان قولنا: ألا تعبد إلا الله، ولا تشرك به شيئا

اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا هنا مقاله بعنوان الجـامع المفيـد لدروس تعلم التوحيـد مدخل بسيط لتعلم دين الإسلام الجزء الرابع وهى منقوله من منبر التوحيد لمن اراد النسخة كامله

بسم الله الرحمن الرحيم  
نتناول موضوع مفيد لمن يريد ان يتعلم تعالم دينه الصحيح تعاليم دين الاسلام من خلال مدخل بسيط لتعليم دين الاسلام للشيخ العلامه أبو الفضيل ناصر الدين بن عبد الرحمن النعيمي 

الدرس الخامس
كيف يتم الكفر بما يعبد من دون الله
سبق وأن قلنا أن الإيمان بلا إله إلا الله يتطلب منك ثلاثة أمور:
ألا تعبد إلا الله، ولا تشرك به شيئا، وأن تخلع وتكفر بالآلهة والأرباب والأنداد المعبودة من دون الله عز وجل.
وقد شرحنا الأمرين الأولين وبيَّنَّا كيف يتم ذلك عمليا في واقع الحياة، ونتكلم في هذا الدرس بعون الله وتوفيقه عن الأمر الثالث: الكفر بما يعبد من دون الله.
فنقول وبالله التوفيق:
أسماء المعبودات الباطلة في كتاب الله
ذكر الله عز وجل في كتابه عدة أنواع من المعبودات التي صرف لها المشركون العبادة من دون الله، وسمَّاها بأسماء مختلفة، وهذه الأنواع هي :
1- الأنداد: والند هو المثيل والشبيه والنظير.
قال تعالى: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(البقرة: من الآية22). قال ابن جرير رحمه الله: عن بن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (فلا تجعلوا لله أندادا) قال أكْفَاءُ من الرجال تطيعونهم في معصية الله .... قال بن زيد في قول الله (فلا تجعلوا لله أندادا) قال: الأنداد الآلهة التي جعلوها معه وجعلوا لها مثل ما جعلوا له.انتهى 
وقال البغوي: ( فلا تجعلوا لله أندادا ) أي أمثالا تعبدونهم كعبادة الله.انتهى 
وقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ) (البقرة: من الآية165)، قال ابن جرير: واختلف أهل التأويل في الأنداد التي كان القوم اتخذوها وما هي، فقال بعضهم هي آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله،.... وقال آخرون: بل الأنداد في هذا الموضع إنما هم سادتهم الذين كانوا يطيعونهم في معصية الله تعالى ذِكْرُه..... عن السدي قال: الأنداد من الرجال يطيعونهم كما يطيعون الله إذا أمروهم أطاعوهم وعصوا الله. انتهى
ويدخل في هذه الأنداد :
* الأوثان التي اتخذها المشركون آلهة لتقربهم إلى الله زلفى ورجوا من عندها النفع والضر، وقصدوها بالسؤال والدعاء، ونذروا لها النذور وقربوا لها القرابين. 
** السادة الذين كانوا يطيعونهم في مخالفة دين الله، ويلتزمون من تعظيمهم والانقياد لهم ما يلتزمه المؤمنون من الانقياد لله تعالى.
2- الآلهة: قال تعالى: ( وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) (نوح: 23)، قال ابن كثير: وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، قال البخاري ... عن ابن عباس: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بَعْدُ...... وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عُبدت.انتهى
 وقال عز وجل: ( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ ) . فكل من قصده الناس بشيء من العبادة لجلب نفع أو دفع ضر فقد اتخذوه إلهاً مع الله.
3- الأرباب: قال عز وجل: (وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ)(آل عمران: من الآية64). 
قال ابن جرير: فإن اتخاذ بعضهم بعضا هو ما كان بطاعة الأتباع الرؤساء فيما أمروهم به من معاصي الله وتركهم ما نهوهم عنه من طاعة الله كما قال جل ثناؤه: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ).
وقال أيضا: (أربابا من دون الله) يعني سادة لهم من دون الله يطيعونهم في معاصي الله فيحلون ما أحلوه لهم مما قد حرمه الله عليهم ويحرمون ما يحرمونه عليهم مما قد أحله الله لهم. انتهى
فالأرباب: هم المتبعون والمطاعون فيما يخالف دين الله.
 ويدخل في ذلك: العلماء والعبَّاد والشيوخ والرؤساء، الذين بدَّلوا دين الله، وغيروا أحكامه، ووضعوا القوانين والتشريعات التي تخالف دين الله.
4- الطواغيت: قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)(النساء: من الآية60) وقال تعالى: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ) (النساء: من الآية76). 
وقال أيضا: (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ)(النساء: من الآية50). 
والطاغوت هو: كل من طغى وجاوز حد العبودية لله، وصار يشارك الله في حقه الخالص بالعبادة والخضوع والاستسلام.
فكل من عُبد من دون الله ورضي بالعبادة فهو طاغوت، وعلى رأسهم الشيطان، قال تعالى: (لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) (النساء:118: 119) 
5- الأصنام والأوثان: قال تعالى: ( قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ) (الشعراء: من الآية71). 
وقال تعالى: ( إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً) (العنكبوت:17).
قال ابن الأثير : قد تكرر ذكر الصنم والأصنام وهو ما اتُخِذ إلهاً من دون الله. وقيل: هو ما كان له جسم أو صورة فإن لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن.
وقال أيضاً : الفرق بين الوثن والصنم أن الوثن كل ماله جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب والحجارة كصورة الآدمي تعمل وتنصب فتعبد، والصنم الصورة بلا جثة، ومنهم من لم يفرق بينهما وأطلقهما على المعنيين. وقد يطلق الوثن على غير الصورة.
ومنه حديث عدي بن حاتم قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقي صليب من ذهب فقال لي القي هذا الوثن عنك.انتهى
6- الأولياء: قال جل ثناؤه: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) (الأعراف:3). وقال: (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ )(لأعراف: من الآية30). وقال: (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ)(الكهف: من الآية102).
7- الشركاء: قال تعالى: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ )(الأنعام: من الآية100)، وقال: (وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ)(يونس: من الآية66) . وقال: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)(الشورى: من الآية21).
وكل هذه الأنواع المذكورة ( الأنداد، والآلهة، والأرباب، والطاغوت، والأصنام والأوثان، والأولياء، والشركاء) تختلف في الاسم وتتشابه مع بعضها في كونها كلها عُبِدَتْ من دون الله عز وجل، وكلها معبودات باطلة، جعلها أصحابها شركاء لله الذي خلقها وأوجدها، فهي في الحقيقة عبد مملوك لله، كما قال تعالى: ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً). وقال عز وجل : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) . فجاوز بها المشركون حد العبودية لله إلى أن صارت شريكاً لله في العبادة، تُعبد كما يُعبد رب العالمين، حيث صرفوا لها ما هو حق خالص لخالق السموات والأرض.
الشرك اتخاذ معبود مع الله
عرفنا فيما سبق أن العبادة بجميع أنواعها لا يستحقها إلا الله عز وجل، وأن التوحيد هو إفراد الله بجميع أنواع العبادة، وأن من أشرك مع الله غيره في شيء منها فهو كافر مشرك.
فالشرك هو أن تصرف شيئا من العبادة لغير الله، قال تعالى: 
(قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ) (الزمر:64)  (وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ) (النحل:52)  (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً )(الأنعام: من الآية114) 
(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)(الأنعام: من الآية14) 
(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ )(الأنعام: من الآية164) 
(قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهاً)(لأعراف: من الآية140) 
(وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً)(الكهف: من الآية26) 
(وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(الكهف: من الآية110) 
(وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) (الجـن:18)  (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) (الجـن:20)  (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئا)(آل عمران: من الآية64) 
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً )(النساء: من الآية36)
فهنا يجب التركيز والانتباه لأمرين لكي يعرف الإنسان حقيقة الشرك وصوره:
الأمر الأول: أن الشرك يحصل بأن تصرف شيئا من العبادة لغير الله ولو عبادة واحدة كالدعاء مثلا، وليس من شرطه أن تصرف العبادة كلها لغير الله، كما قال الله عز وجل (وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)، فتأمل قوله (شيئا)
الأمر الثاني: أن كل ما سوى الله لا يستحق شيئا من العبادة، يستوي في ذلك جميع الخلق من الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم، وليس من شرط الشرك أن يكون المعبود صنماً، كما قال تعالى في الآيات السابقة (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) فانتبه لقوله (أَفَغَيْرَ اللَّهِ) في ست آيات سابقة، وكذلك قوله (وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) في أربع آيات.
فأي شيء من العبادة صُرفت لغير الله فهي باطلة وشرك بالله الواحد الأحد وإن لم يسمها أصحابها شركاً.
وأي شيء صُرِف له شيء من العبادة غير الله فهو معبود باطل وإله لعابديه، وإن لم يسمه صاحبه إلها أو ربا أو معبودا أو شريكا لله، سواء كان نبيا أو ملَكا أو صالحا أو صنما.
فمن دعا نبيا أو وليا صالحا أو استغاث به لقضاء حاجة أو كشف كربة لا يقدر عليها إلا الله أو ذبح له أو نذر أو اعتقد فيه النفع والضر كان كمن عبد الأصنام والأوثان من دون الله، كل هذا شرك وكفر بالله.
فلا فرق بين من يعبد الصنم وبين من يعبد المسيح وبين من يعبد القبور وبين من يطيع الحكام والشيوخ في تغير شريعة الله، فكلهم مشركون بالله، لأن الشرك هو أن يتخذ الإنسان مع الله معبوداً يعبده مع الله، فإذا حصل هذا المعنى فقد حصل الشرك بالله.
وقد ذكر الله عز وجل في كتابه أصنافاً من الكفار لكل صنف إله يعبده مع الله فشملهم بحكم الكفر ووصف الشرك ولم يجعل اختلاف معبوداتهم سببا للتفريق بينهم.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: القاعدة الثالثة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر على أناس متفرقين في عباداتهم: منهم من يعبد الشمس والقمر، ومنهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الأنبياء والصالحين؛ ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفرق بينهم، والدليل قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [سورة الأنفال آية : 39].
فدليل الشمس والقمر، قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [ سورة فصلت آية : 37]. 
ودليل الملائكة قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [ سورة سبأ آية : 40"41].
ودليل الأنبياء قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} الآية [سورة المائدة آية : 116]. وقوله: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [ سورة آل عمران آية : 80]. 
ودليل الصالحين قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} [سورة الإسراء آية : 56].
ودليل الأشجار والأحجار، قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [ سورة النجم آية : 19"20].انتهى 
فانظر أيها القارئ في كتاب الله هل تجد فيه أن الله فرق بين من كان معبوده حجراً ومن كان معبوده شجراً ومن كان معبوده نبيا، ومن كان معبوده شيطانا رجيماً؟!!
قال الله عز وجل: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة:31)، فانظر كيف سوَّى الله بين عبادة الأحبار والرهبان التي كانت باتباعهم فيما شرعوه، وبين عبادة المسيح التي كانت باعتقاد ألوهيته مع الله والتقرب له بأنواع العبادة.
فهنا نجد اختلافا في العبادة وفي المعبود، ولا نجد اختلافا في الحكم على الفعل بأنه شرك بالله، وعلى الفاعل بأنه مشرك عابد لغير الله.
وسنزيد الأمر وضوحا إن شاء الله في دروس آتية بإذن الله وعونه وتوفيقه وهدايته.
أنواع من المعبودات الباطلة
وكما علمنا أن المعبودات من دون الله كثيرة، ولكي نعرفها في الواقع من حولنا يجب أن ننظر إلى أنواع العبادة التي تُصرف لغير الله، وقد عرفنا فيما سبق تعريف العبادة وكثير من أنواعها فلم يعد صعباً علينا تمييز العبادة التي لا يستحقها إلا الله من غيرها.
فيدخل فيما يعبد من دون الله:
من يُدعى ويُستغاث به ويُلتجأ إليه لقضاء حاجة أو كشف كربة غير الله عز وجل.
ومن يُستنصر ويُستعان به فيما لايقدر عليه إلا الله
ومن يُحب ويُخاف ويُرتجى ويُتوكل عليه غير الله.
ومن يُذبح ويُنذر ويُعتكف ويُطاف له غير الله
ومن يُطاع ويُتبع حكمه وقانونه من دون الله عز وجل.
ومن يحكم ويشرِّع من غير إذن الله عز وجل.
ومن يُحكم بحكمه وتشريعه وقانونه بين الناس غير الله عز وجل.
ومن يُتحاكم إليه غير الله ورسوله
ومن يُوالى ويُعادى من أجله غير الله سبحانه وتعالى.
فكل هذه آلهة ومعبودات باطلة وجب الكفر بها والبراءة منها
ومن أمثلتها في عصرنا الحاضر: 
هذه القبور المعبودة من دون الله المنتشرة في بقاع الأرض، كالبدوي والجيلاني والدسوقي والإمام الشافعي والبغدادي وقبر الحسين وعائشة وزينب وسكينة ونفيسة كما يزعمون، وعبد السلام الأسمر وأحمد البازه وأبو رقية والزروق وأبو عجيلة والسايح، ... وغيرها كثير كثير.
وهناك أشجار وعيون وأحجار أيضا تعبد مع الله
وهناك تماثيل وأصنام منحوتة تعبد مع الله أيضا، كما في الهند وغيرها.
وهذه القوانين الوضعية المتبعة في كل دولة على وجه الأرض.
وهؤلاء الحكام المشرعين من دون الله، والحاكمين بشريعة غير الله، والمبدلين لأحكام الله.
وأولئك الأحبار والرهبان من المنتسبين للإسلام ومن اليهود والنصارى الذي يغيرون دين الله ويشرعون من العقائد والأحكام ما يلائم أربابهم العلمانيين ويتمشى مع أهواء الطواغيت.
كل هذه الأرباب والآلهة والطواغيت والأنداد يجب الكفر بها ليدخل المرء في الإسلام ويحقق التوحيد ويؤمن بلا إله إلا الله.
كيف تكفر بما يعبد من دون الله ؟
وأما كيفية الكفر بها اعتقادا وقولا وعملا فعلى النحو التالي:
أولا:  أن تعتقد بطلان كل ما عُبد من دون الله ،  وكل عبادة صُرفت لغير الله ،  وكل دين غير دين الله.
قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (الحج:62)، وقال جل ثناؤه: (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (يونس:32)، وقال : (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ)(محمد: من الآية3)، وقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين}. 
ثانيا:  أن تجتنب عبادة كل ما يعبد من دون الله ،  وتبغضها أشد البغض ،  وتخلع جميع الأرباب والأنداد المعبودة مع الله ،  وتبرأ منها.
قال تعالى: (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)(الأنعام: من الآية19).
وقال تعالى: (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)(الأنعام: من الآية78) 
وقال عز وجل: (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)(هود: من الآية54)
وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ) (الزمر:17)  وقال: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (المدثر:5)  وقال تعالى: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي)(مريم: من الآية48)
وقال جل ثناؤه: (قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء:75 :76: 77)  وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * ....) (الزخرف:26)
وقال تعالى:(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ* لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين).
فلا يكفي أن يعتقد المرء أن عبادة غير الله ضلال وشرك وأن كل معبود غير الله باطل، بل لابد أن يجتنب هذه المعبودات ويبرأ منها ويهجرها ويترك عبادتها، فلا يدعوها مع الله ولا يستغيث بها ولا يحبها ولا يخافها ولا يتقرب لها بالذبح والنذر وسائر العبادات، ولا يتبع تشريعات وأحكام الطواغيت المشرعين من دون الله، ولا ينصرها ولا يحميها، ولا يحكم بشيء منها ولا يتحاكم إليها في صغير ولا كبير.
فإن اعتقد بطلان هذه الآلهة والأرباب والأنداد والأوثان المعبودة من دون الله، وهجرها واجتنبها وتبرأ منها واعتزلها ولم يصرف لها شيئا من العبادة، فقد تبرأ منها ومن عبادتها وبقى عليه شيء آخر لابد له منه ولا محيص له عنه وهو البراءة ممن عبدها واتخذها شركاء مع الله عز وجل. وهو الأمر الثالث المطلوب تحقيقه ليصح الكفر بما يعبد من دون الله.
ثالثا: أن تتبرأ ممن اتخذها أربابا وآلهة من دون الله الواحد الأحد وصرف لها من العبادة ما لا يستحقه إلا خالق السموات والأرض ،  والبراءة منهم هي تكفيرهم وبغضهم ومعاداتهم.
قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ )(الممتحنة: من الآية4)
وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الأنعام:74)  وقال عز وجل: (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(الأنعام:78: 79).
وقال تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون:6)  وقال جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)(الأنعام: من الآية159).
الدليل على تكفير الكفار والمشركين هو الإسلام نفسه
البراءة ممن جعل مع الله غيره واتخذ من دونه أربابا وأندادا وشركاء، وكان عَبْداً للطاغوت من دون الله خالقِه ورازقِه ومالكِ أمره، هذه البراءة الدليل عليها هو الإسلام نفسه ولا تحتاج لذكر آية من كتاب الله أو حادثة من السيرة أو حديثا عن المصطفى صلى الله عليه وسلم.
كيف هذا؟
أليس كل من عرف الإسلام لابد أن يميز بين من يدين به ومن لا يدين به؟! 
حتى الكفار الذين عرفوا الإسلام ولم يدخلوا فيه يفرِّقون بين من يدين به ومن لا يدين به وكانوا يقولون لمن أسلم صبأ فلان ، يعنون أنه خرج عن دين قومه. 
ولا يعتقد أحدٌ أن الإسلام هو دين الله الحق إلا واعتقد أن ما سواه باطل وضلال، وإلا لَزِم أن يكون هناك دين آخر غير الإسلام يكون صحيحا ومقبولا عند الله، وهذا ينفيه ويعتقد بطلانه كل من يصدق بأن الإسلام هو دين الله الذي لايقبل سواه.
ومن اعتقد أن الإسلام هو الدين الحق لا يشك لحظة واحدة أن أهله الذين يدينون به على حق، وفي المقابل كل من دان بدين غير الإسلام على ضلال وباطل.
ومن أقرَّ بأن عبادة الله وحده هو الحق لابد أن يقر بأن عبادة غيره باطلة وضلال، وأن من عبد الله وحده هو المحق وأن من عبد غيره هو المبطل، ولا يحتاج هذا إلى برهنة واستدلال.
فمن عرف أن الإسلام لا يتحقق إلا بتوحيد الله والكفر بما سواه قولا وعملا، وأراد أن يدخل في هذا الدين ؛ فإنه من الوهلة الأولى سيعرف أن من يعبد غير الله ليس بمسلم بل هو في دين آخر باطل وضلال، وسيعتقد هذا دون أي شك.
فالذي يعرف الفارق الصحيح بين دين الله الحق وغيره من الأديان الباطلة المردودة سيعرف الفرق بين المسلمين أهل الدين الحق وبين الكفار أهل الأديان الباطلة.
ومن لم يعرف الفارق الصحيح الذي يميز بين الإسلام وغيره من الأديان الباطلة، فهذا هو الذي لايستطيع أن يميز بين المسلمين وغيرهم من الكفار، وهو نفسه لن يستطيع أن يكون مسلما وهو لايعرف الإسلام من الكفر.
فمن عرف الإسلام عرف أن من يدين بغير دين التوحيد ليس مسلماً، كما عرفها الناس قديما يوم دعتهم رسل الله لترك ما هم عليه والدخول في الإسلام.
زيادة توضيح
عندما يسمع أحد الكفار دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف للوهلة الأولى أن هذا الرسول جاء يدعو لدين جديد غير هذا الدين المألوف عن الآباء والأجداد
ثم إذا التقى بالرسول وسمع منه عرف حقيقة هذا الدين الجديد وما هو الفارق بينه وبين ما يدين به هو وقومه من الكفار 
فإذا اقتنع بما دعاه إليه رسول الله اقتنع بأن ما يدين به هو وقومه باطل وضلال، وأن الدين الذي دُعي إليه هو الهدى والحق 
فإذا أراد أن يدخل في هذا الدين الجديد فإنه يعرف جيداً أنه انتقل من باطل إلى حق، ويعتقد أنه كان كافرا قبل أن يدخل في الإسلام، وأن من تركهم في دينه الأول على باطل وضلال وجاهلية وكفر، ومن انتقل معهم في الدين الجديد على الهدى والحق والإسلام.
وبالتالي فإنه يبرأ من قومه وما يعبدون من دون الله، ويوالي الله ورسوله والمسلمين.
وهذا يحصل مع كل من ينتقل من الضلال إلى الحق ومن الجاهلية إلى الإسلام.
فهل يُعقل أن يعرف أحدٌ الإسلامَ الحق الذي يريده الله ويدعو إليه رسلُه ولا يعرف أنه على النقيض مما يدين به المشركون؟!!!!!!!!
وهل يُعقل أن يترك أحد من الكفار ما كان يعبد من الآلهة والأنداد وينتقل للإسلام ليوحد الله ولا يشرك به شيئا وهو يتخيل أنه ينتقل من حق إلى حق؟!!!
وهل يتصور إنسان عاقل أنه يمكن لرجل أن يترك دينه الذي اعتاده وألفه بعد أن عرف أنه دين باطل وينتقل إلى الإسلام ويخالف قومه، ثم مع هذا يعتقد أن قومه الذين خرج عن دينهم على حق وأن المسلمين الذين دخل معهم في دينهم على حق أيضا؟!!!!!!!!! 
كل هذا لا يتصوره عاقل أبداً
والحق الذي لا مرية فيه أن كل من خرج عن الكفر ودخل في الإسلام الحق لابد أنه يدرك جيدا: 
- أن ما خرج عنه هو الكفر والضلال وأن ما دخل فيه هو الهدى والحق. 
- وأن من خالفهم في الدين على ضلال وفي جاهلية وهم كفار مشركون، وأن من انتقل إليهم ودان بدينهم على الحق والنور والهدى وهم مسلمون موحدون.
كل هذا يعرفه من عرف الإسلام على اختلاف أفهامهم وعقولهم ولا يحتاج إلى أن يُبيَّن له ويُنبَّه عليه.
لا يتحقق الكفر بما يعبد من دون الله دون الكفر والبراءة من عابديه 
من المعلوم أن كل معبود من دون الله له من يعبده ويَصرف له ما لا ينبغي أن يُصرف إلا لله، وبفعل هذا المشرك صار إلها مع الله، فلابد من البراءة من المعبود ومن عبادته ومن عابديه، ولا تتحقق واحدة منها دون الأخرى.
فلا يستقيم ولا يصح البراءة من المعبود دون البراءة من عبادته.
ولا يستقيم أيضا ولا يصح البراءة من المعبود وعبادته دون البراءة ممن جعله معبودا وصرف له العبادة من دون الله.
وليست البراءة من المعبود بأولى من البراءة من العابد، وهل يصير العبد المخلوق إلها معبودا إلا بوجود من أشركه مع الله وعبده معه؟!
وكمثال لذلك الآلهة التي كانت موجودة في قوم نوح فما هي إلا تماثيل نحتها أناس ربما لم يصلوا إلى الشرك في ذلك الوقت يوم أن نحتوها، وبعد موت هؤلاء اتخذها من بعدهم آلهة تعبد كما يعبد الله الواحد القهار، ولولا أولئك المشركون لما صارت آلهة معبودة مع الله ولبقت مجرد تماثيل ترمز لرجال صالحين كانوا فبادوا.
فلو أن رجلا في عهد نوح سمع بما يدعو إليه نوحا عليه السلام فأراد أن يتبعه فترك عبادة غير الله واعتقد أن ما كان يعبده باطل لا يستحق العبادة وأن الله وحده هو المستحق للعبادة، فهل تراه يعتبر نفسه أنه كان على حق في عبادة غير الله؟! هذا لا يستقيم أبدا.
بل الصواب سيعتبر نفسه أنه كان على باطل وضلال في شركه بالله وأن الحق هو توحيد الله وإفراده بالعبادة، وبالتالي سيعتبر من لم يوحد الله واستمر على عبادة غيره أنهم على ضلال وباطل، وسوف يتبرأ منهم كما تبرأ من آلهتهم ودينهم. وهذا ما نقصده بالبراءة من المشركين.
ومثال آخر هذه القبور التي تعبد اليوم من دون الله فلولا ما يفعله المشركون عندها وما يعتقدونه فيها لما زاد عن كونها قبوراً لأناس كانوا أحياء يأكلون ويشربون ويحتاجون لما يحتاج إليه البشر الضعفاء فماتوا وقُبروا في هذه القبور وهي كغيرها من سائر القبور الأخرى، ولكن المشركين عظموها وغلوا في محبة أصحابها حتى عبدوهم مع الله، فصارت آلهة تعبد مع الله الواحد الأحد وطواغيت تقدس من دون الله.
فهل تستقيم البراءة منها دون البراءة ممن اتخذها وصيرها آلهة من دون الله؟
هل يصح في الفطر السليمة والعقول المستقيمة والملة الحنيفية أن نعتقد أن هذه القبور آلهة باطلة لا تستحق شيئا من العبادة وأن عبادتها كفر وشرك بالله تناقض الإسلام وتبطله، ولا نعتقد كفر وضلال من عبدها، بل نجعلهم في زمرة الموحدين ونساويهم بمن يعبدون الله وحده ولا يشركون به شيئا ويكفرون بما يعبد من دونه؟!
هل يستوي من يكفر بهذه القبور مع من يعبدها؟!
كلا - والذي ارتضى الإسلام لنا دينا - لايستوي دين من وحَّد الله وكفر بما يُعبد من دونه مع دين من جهل التوحيد وجعل مع الله آلهة أخرى.
قال تعالى: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (الأنعام:19) 
وقال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)." الأنعام: من الآية:159". 
كيف يكون المشرك الذي جعل العبادة شِرْكَةً بين الله وبين خلقه مسلما على دين إبراهيم عليه السلام والأنبياء جميعا؟؟!!
كيف يستوي من وحَّد الله وعظَّمه ونزَّهه بمن سبَّه وانتقصه وشبهه بمخلوق من مخلوقاته وعبد من عبيده؟!!
الأنبياء كلهم تبرؤوا من الكفار والمشركين
لقد أعلن جميع رسل الله براءتهم من كل من عبد غير الله وكفروا بهم وأبغضوهم وعادوهم، قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)(الممتحنة: من الآية4). 
والله عز وجل أمرنا بإتباع ملة إبراهيم، وجعله للناس إماماً، واتخذه خليلاً، وملة إبراهيم هي الحنيفية وهي البراءة من المشركين ومما يعبدون من دون الله.
كما قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُون َ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ)." الزخرف:27:26".
وقال عز وجل: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)} [الأنعام : 78 - 79]
وقد ختم الله عز وجل سورة التوحيد بقوله: ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). فدين من وحد الله فَعَبَدَه وحده ولم يشرك به شيئا هو الإسلام، ولا يمكن أن يجتمع مع من أشرك بالله على دين واحد أبداً، ولا يمكن أن يستويان أبداً، بل كل واحد منهما متبرئ مما عليه الآخر، ولا يشاركه فيه، فلا يمكن أن يكون الموحد عابد لغير الله، ولا يمكن أن يكون المشرك عابداً لله وحده.
فكيف يصح مع هذا كله القول بأن تكفير المشركين ليس من أصل الدين ويمكن أن يتحقق الإسلام من غير تكفيرهم؟!!
وكيف يقبل من عرف الدين الحق القولَ بأن الحكم بالإسلام لمن عبد غير الله وجعل معه آلهة أخرى لا يعارض الإسلام الذي بعث الله به رسله وأنبياءه؟!!
لا والله، لا يصح هذا ولا يُقبل، وليس هذا من دين الله في شيء.
لا ينكر أن تكفير المشركين من أصل الدين إلا من يجهل الإسلام
وعلى الرغم من وضوح هذا وبساطة فهمه وسهولة الاقتناع به إلا أن هناك من أهل الضلال المنتسبين للإسلام من يزعم أن تكفير المشركين ليس من أصل الدين الذي لايتحقق الإسلام بدونه، وينكرون علينا أنا نقرن الدعوة إلى الإسلام بالدعوة لتكفير المشركين، ويقولون أن تكفير الكفار من لوازم الأصل وليس من الأصل؛ وذلك ليعذروا من لم يكفِّر المشركين بأعذار واهية، ويحكمون بالإسلام لمن زعم أن عباد القبور مسلمون، وأن المشرعين من دون الله مسلمون، وأن المتبعين لتشريعات الطاغوت والمتحاكمين لأحكامه مسلمون أيضا ماداموا يقولون لا إله إلا الله!!
فسبحان الله أي عقول أنكرت هذا ؟!!
وأي حجة بنوا عليها ما يزعمون ؟!!
لا والله، ما يصدق بهذا ذو عقل، وما على هذا الافتراء من دليل، إن هو إلا عبادة أحبارهم ورهبانهم المتأثرين بالعلمانية وإن زعموا أنهم يكفرون بها.
والحقيقة أنه لا ينكر أن تكفير المشركين مما لا يتم الإسلام إلا به إلا من يجهل الإسلام ولا يعرف أصل الدين الذي يفرق بين الإسلام والكفر وبين المسلمين وغيرهم.
حقيقة الخلاف بيننا وبين من لا يؤمن بأن تكفير الكفار من أصل الدين
ليس الخلاف القائم بيننا وبين من لم يعتقد تكفير المشركين خلافاً في المصطلحات (نحن نقول أنه من الأصل وهم يقولون من لازم الأصل)، وإنما هو خلاف جوهري كالخلاف بين المسلمين والكفار، فهم يبنون على هذا المصطلح دينهم الذي خالفوا به دين التوحيد، فصار خلافا في الدين لا خلافا في المصطلحات والمسميات فقط.
فمن يقول أن تكفير الكفار من لازم الأصل ويلتزم به لتحقيق أصل الإسلام ويراه لازما ضروريا لاينفك عن الأصل، إذا انتفى هذا اللازم انتفى الأصل وبطل، فهذا هو الذي يخالفنا في المصطلح فقط.
أما من يقول أن تكفير الكفار من لازم الأصل ولا يلتزم به لتحقيق الإسلام، ويراه غير لازم ولا ضروري ويمكن أن يتحقق الإسلام بدونه، ويجعله كشعائر الدين التي يعرفها المسلم تدريجياً، فهذا لا يعتبر تركه كفراً يناقض الإسلام، فالخلاف بيننا وبينه خلاف في تحديد الإسلام والكفر، كالخلاف بيننا وبين عابد القبر والمتبع لتشريع غير الله.
فعابد القبر لا يسمي فعله شركاً ولا يراه مناقضاً للإسلام، ونحن نؤمن بأن عبادة غير الله شرك وكفر بالله، وأن الإسلام لا يتحقق إلا بعبادة الله وحده والكفر بما يعبد من دونه، ومن ذلك: الكفر بما يعبده هذا الكافر عابد القبر الذي يدَّعي الإسلام، فصار الخلاف بيننا وبين عابد القبر خلافاً في تحديد الإسلام والكفر. 
فهاهنا دينان دين عابد القبر الذي يعتقد أن عبادته لغير الله لا تناقض الإسلام، فإسلامه ليس هو الإسلام الذي يريده الله ويرضاه من عباده.
وديننا الذي نعتقد أنه لايتحقق إلا بتوحيد الله والكفر بعبادة القبور وسائر ما يعبده المشركون من دون الله، وقد أثبتنا فيما سبق أن هذا هو الإسلام دين الله الحق.
ومن خالفنا في أصل الدين لا يمكن أن يكون معنا على دين واحد، فله دينه ولنا ديننا.
وكذلك الذي يعتقد أن الحكم بإسلام من يعبد غير الله ليس كفرا، وأن الإسلام يتحقق بدون تكفير الكفار، يختلف دينه عن ديننا تماما، فنحن نعتقد أن الحكم بالإسلام لمن يعبد غير الله كفر بالله مناقض للإسلام من كل وجه، فمن عبد غير الله يستحيل أن يكون مسلما، ومن أدخل مثل هذا في الإسلام فهو كافر لا يعرف الإسلام ولا يدين به ولا يفرق بين المسلم والكافر.
فكما أن الإسلام لا يتحقق إلا باعتقاد بطلان عبادة غير الله (وهي دين الكفار والمشركين)، كذلك فإنه لا يتحقق إلا بتكفير من دان بعبادة غير الله.
فالمسلم يعتقد أن عبادة الله وحده هي دين الإسلام وهي الحق، وأن عبادة غير الله هي دين المشركين وهي الباطل، ولا يمكن أن يجعل من عبد غير الله على دين الإسلام لأنه يعلم أن هذا لم يأتِ بالإسلام، وكذلك لا يمكن أن يعتبر جاهل التوحيد على دين الإسلام لأنه يعلم أن هذا لم يدخل الإسلام بعد.
فإسلامنا يختلف عن الإسلام الذي يدَّعيه من يعبد غير الله ومن يحكم له بالإسلام. ولهذا قلنا أن الخلاف القائم بيننا وبين من لم يعتقد تكفير المشركين ليس خلافاً في المصطلحات وإنما هو خلاف في تحديد الإسلام والكفر، فنحن وهم على طرفي نقيض لا يجمعنا دين واحد.
وهؤلاء الذين يعتقدون أن الحكم بإسلام من عبد غير الله ليس كفرا هم في الحقيقة لا يعرفون الإسلام، فلو عرفوه لما قبلوا بإسلام من لم يفرق بين الكافر والمسلم ولم يميز بين الإسلام والكفر. فكل من عرف الإسلام ودان به يعرف ويُقرُّ بأن الكافر على غير دينه ولا يحتاج إلى أن يُنبه لمثل هذا. ولا يتصور أن يكون هناك مسلم يعتقد أن الإسلام هو دين الله الذي لايقبل سواه ثم يعتبر المخالفين له في الدين مسلمين مثله.
الذي يعتقد أن اجتناب الشرك والبراءة منه من أصل الدين لابد أن يؤمن بكفر من خالفه فيه، ولا يمكن أن يعتقد بإسلام من لم يجتنب الشرك ويتبرأ منه.
والذي يؤمن بأن تكفير المشركين من أصل الدين لابد أن يؤمن بكفر من خالفه فيه أيضا، ولا يمكن أن يعتقد بإسلام من لم يكفر المشركين.
والإيمان بأن تكفير المشركين من أصل الدين مبني على الإيمان بأن عبادة الله وحده والكفر بما يعبد من دونه من أصل الدين، إن صح هذا لزم الآخر لزوما ضروريا لا ينفك عنه، فمن آمن بالثاني لزمه الإيمان بالأول وإلا كان إيمانه بالثاني باطلا.
فمن لم يؤمن بأن تكفير المشركين من أصل الدين هو في الحقيقة لا يؤمن بأن عبادة الله وحده والكفر بما يعبد من دونه من أصل الدين. وإلا فما معنى كونها من أصل الدين إن لم يعنِ أن المخالف في ذلك كافر.
فالمسلمون جميعا متفقون في أصل الدين، وهو الذي يجمعهم على دين واحد ويفرق بينهم وبين سائر الكفار،
ولا يتصور أن يكون هناك مسلم ليس عنده أصل الدين الذي يميِّز به بين المسلم والكافر، والجهل بهذا يعني الجهل بالإسلام، والجهل بالإسلام يعني عدم الإسلام، فكيف يكون الرجل مسلما من غير إسلام؟!!
فكل من عرف الإسلام عرف أصله الذي لايتحقق إلا به، وعرف أيضا بكل بساطة أن من خالف في هذا الأصل فليس على الإسلام، وعرف أيضا أن من جهل هذا الأصل لا يمكن أن يأتي به.
وبهذا يثبت لمن أراد الحق وتجرد له أنه لا إسلام لمن لم يكفِّر الكفار والمشركين.
ملخص الدرس
إذا فالكفر بما يعبد من دون الله كفر بالمعبودات الباطلة وبعبادتها وبعابديها، ويكون بالقول والعمل كما أن الأمرين الأولين (ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا) بالقول والعمل.
وكما أوضحنا في درسنا هذا أن الكفر بما يعبد من دون الله يتحقق بثلاثة أمور مجتمعة وهي:
اعتقاد بطلان كل معبود غير الله وكل عبادة لغير الله وكل دين غير دين الله .
اجتناب عبادة هذه المعبودات الباطلة وهجرها وخلعها ظاهرا وباطنا وبغضها وبغض عبادتها. 
تكفير من رضي بالعبادة مع الله، ومن عبد شيئا من دون الله وبغضهم ومعاداتهم. 
فمن أتى بها مجتمعة فقد كفر بالطاغوت، ونفى ما نفته لا إله إلا الله، ومن أخل بواحدة منها فما كفر بالطغوت ولا آمن بالله، وإن لم يفتر لسانه عن قول لا إله إلا الله.
واقع الناس
فتأمل أيها القارئ حالك وحال الناس من حولك هل لهم من لا إله إلا الله غير قولها باللسان من غير معرفة ولا اعتقاد ولا عمل ولا إذعان ؟!!
يقولون بأفواههم ما لم تعتقده قلوبهم ولم تستسلم له أركانهم.
يقولون نحن أمة المليار مسلم ويفتخرون بذلك، وليس لهم من الإسلام إلا اسمه، ومن التوحيد إلا لفظه.
ينكرون على من يكفِّرهم، ويقولون نحن نقول لا إله إلا الله ونصلي ونصوم ونحج ونحب الله ورسوله، وإذا تأملت حقيقة ما يدينون به وجدتهم:
إما عابد قبر أو عابد شجر يدعو ويستغيث بغير الله ويذبح وينذر ويطوف ويركع ويسجد لغير الله، ويعتقد في ميت أو حجر النفع والضر والشفاعة مع الله 
أو عابد هوى لايميز بين الحق والباطل إلا ما وافق هواه 
أو مشرِّع يحلل ويحرم ويفرض ويسقط ويعاقب ويعفو ويسن من الأحكام ما لم يأذن به الله 
أو حكام وقضاة يحكمون بشريعة غير الله ويقدمون أحكام الجاهلية على حكم الله 
أو همج رعاع متبعون لتشريع غير الله راضون بنظام الكفر وسلطان الطاغوت 
أو جنود مخلصون خدم الطاغوت وساعده اليمنى وحارسه الأمين 
أو متحاكمون لمحاكم الكفر محكِّمون لأحكام الطاغوت 
أو فرق متدينة ترى نفسها صحوة المجتمع والشعلة المضيئة فيه لاتعرف الإسلام من الكفر ولا تفرق بين المسلم والكافر عبدة لأحبارها ورهبانها سدنة الطاغوت اللعين 
أو فرقة تزعم أنها الناجية المنصورة تنادي بالجهاد والخروج على الحكام، تفرق بين الناس حسب هواها، وتكيل الحكام بمكيال وشعبه بمكيال، لا تعرف من الإسلام إلا ما حدده أحبارها ورهبانها، ولا تميز بين المسلم والكافر، تداهن الكفرة من أمتها وتجاهد الكفرة من غير جنسيتها، تعتقد أن حكام الأمة طواغيت كفرة مشرعون من دون الله ونظامهم كفر وجاهلية وتزعم أن الشعوب مسلمة غير راضية بمن يحكمها مكرهة على اختيارها لحكامها مغصوبة على ولائها ونصرتها واتباعها لطواغيتها .. تزعم أنها كافرة بالطاغوت وتوالي من يؤمن به .. تتبرأ من الحكام وحاشيتهم وتوالي شعوبهم ومن لم يتبرأ منهم !! وينكرون علينا لماذا لا تجاهدون معنا؟! فهل هناك فرق بينهم وبين من يجاهدون؟!!
هذا هو حال أمة المليار مسلم – كما يزعمون -  فإن وجدتَ فيهم من يدين بالإسلام الذي يريده الله فله حق الأخوة والولاء، وما سوى ذلك فهم واليهود والنصارى سواء.
غربة الإسلام وأهله
فإذا عرفت دين الإسلام وأردت أن تكون مسلما كما يريد الله فلا تستوحش من الحق لقلة السالكين ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كما بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ.
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وَيْلٌ للعرب من شرٍ قد اقتربَ فِتَنٌ كَقَطِيع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً يبيع قوم دينَهم بعَرَض من الدنيا، قليل المتمسك يومئذ بدينهِ كالقابِض على الجَمْر أو قال على الشوْك).
سأل عمرو بن عبسة رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن معك على هذا؟ قال عليه السلام: حر وعبد.
فالزم طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين.
قال نُعَيْمُ بن حَمَّادٍ إذَا فَسَدَتْ الْجَمَاعَةُ فَعَلَيْك بِمَا كانت عليه الْجَمَاعَةُ قبل أَنْ تَفْسُدَ وان كُنْت وَحْدَك فَإِنَّك أنت الْجَمَاعَةُ حِينَئِذٍ.
وقال عبد الله بن مسعود: الْجَمَاعَةُ ما وَافَقَ الْحَقَّ وان كُنْت وَحْدَك.
قال أبو شامة: حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه وإن كان الممتسك به قليلا والمخالف له كثيرا لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي وأصحابه ولا نظر إلى كثرة أهل البدع بعدهم.
قال ابن القيم: فالبصير الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق ولا من فَقْدِه إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل الأول الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، فتفرد العبد في طريق طلبه دليل على صدق الطلب. 
ولقد سئل إسحاق بن راهويه عن مسألة فأجاب فقيل له : إن أخاك أحمد بن حنبل يقول فيها بمثل ذلك فقال : ما ظننت أن أحدا يوافقني عليها. ولم يستوحش بعد ظهور الصواب له من عدم الموافقة فإن الحق إذا لَاحَ وتبين لم يحْتَجْ إلى شاهد يشهد به، والقلب يبصر الحق كما تبصر العين الشمس، فإذا رأى الرائي الشمس لم يحتج في علمه بها واعتقاده أنها طالعة إلى من يشهد بذلك ويوافقة عليه.
وقال ابن القيم أيضا: وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة، ولما لم تحمل ذلك عقول الناس قالوا للخليفة يا أمير المؤمنين أتكون أنت وقضاتك وولاتك والفقهاء والمُفتون على الباطل، وأحمد وحده على الحق، فلم يتسع علمه لذلك فأخذه بالسياط والعقوبة بعد الحبس الطويل. 
فلا إله إلا الله ما أشبه الليلة بالبارحة.انتهى

اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا هنا مقاله بعنوان الجـامع المفيـد لدروس تعلم التوحيـد مدخل بسيط لتعلم دين الإسلام الجزء الخامس وهى منقوله من منبر التوحيد لمن اراد النسخة كامله

بسم الله الرحمن الرحيم  
نتناول موضوع مفيد لمن يريد ان يتعلم تعالم دينه الصحيح تعاليم دين الاسلام من خلال مدخل بسيط لتعليم دين الاسلام للشيخ العلامه أبو الفضيل ناصر الدين بن عبد الرحمن النعيمي 

الدرس السادس
حكم من يجهل التوحيد
سبق وأن عرفنا في الدروس الماضية أن التوحيد هو أصل الإسلام الذي لا يتحقق إلا بمعرفته والإيمان به قولا وعملا، وعرفنا معنى لا إله إلا الله وكيفية الإيمان بها، وأن المراد من كلمة التوحيد قولها والعمل بها ظاهرا وباطنا وليس مجرد التلفظ بحروفها، وعرفنا أنه لا إسلام لمن لم يخلص جميع أنواع العبادة لله ولم يشرك به شيئا وكفر بما يعبد من دونه.
ونتكلم في هذا الدرس عن مسألة مهمة ضل فيها أكثر الناس اليوم ألا وهي: حكم الذين يتلفظون بالشهادتين وهم يجهلون حقيقة ما نطقت به ألسنتهم ولا يلتزمون به، وهم أكثر المنتسبين للإسلام في القرون الأخيرة.
ومن المعلون أن الجهل هو نقيض العلم، فالجهل بالتوحيد هو عدم العلم به.
فالجاهل الذي نتكلم عنه هنا هو الذي لايعرف ما هو التوحيد وما هي لوازمه الذي لا تنفك عنه ولا يصح إلا بها، وبالتالي فهو لا يعرف ما يميز الإسلام عن الكفر، ولا يفرق بين التوحيد ونقيضه، وما يعتقد أنه توحيد ليس هو التوحيد الذي تدل عليه كلمة الإخلاص والذي لا يتحقق الإسلام بدونه.
حال من لا يعرف التوحيد
ولو تأملنا حال من يجهل التوحيد لوجدناه لا يخلو عن هذه الأمور أو إحداها على الأقل:
1. لايمكنه أن يميز بين التوحيد الذى هو عبادة الله وحده وبين الشرك الذى هو عبادة غير الله، وبالتالي لايمكن أن يميز بين دين المرسلين ودين المشركين.
2. لا يعتقد صحة التوحيد وأن العبادة بجميع أنواعها لله وحده لا يشاركه فيها أحد من خلقه، وأن عبادة غير الله باطلة وشرك وكفر بالله. 
3. مادام لا يفرق بين التوحيد وضده فهو ليس ممن يحب التوحيد، ويقبله وينقاد له، ولا يبغض الشرك ولا ينكره ويرفضه لأنه لا يعرفه.
ومادام اعتقاد صحة التوحيد ومحبته وقبوله، واعتقاد بطلان الشرك وبغضه وإنكاره ورفضه متوقف على معرفة التوحيد وضده؛ فجاهل التوحيد انتفى عنه اعتقاد القلب وعمله فليس بمسلم؛ لأن التوحيد يكون بالقلب واللسان والجوارح فإن انتفى شيء من ذلك انتفى الإسلام.
4. لا يمكن لجاهل التوحيد أن يكون محققاً لأي شرطٍ من شروط كلمة الإخلاص، ومجرد التلفظ بحروفها من غير معرفة ويقين ومحبة وإخلاص وصدق وقبول وانقياد وكفر بما يعبد من دون الله لا يفيد شيئا، فلا يكون قوله بلسانه توحيداً، ولا يُعَدُّ تعبيراً منه عن إيمانه وإقراره بالتوحيد فهو لا يعرفه ولا يعتقده.
7. لا يخلص العبادة لله ولا يتبرأ من الشرك، فهو لايعرف أن عبادته لغير الله شرك من دعاء أو ذبح أو استغاثة أو تحاكم أو اتباع لتشريع غير الله، ويظن أنه إذا قال لا إله إلا الله فقد وحَّد الله وكفى.
8. لم يكفر بالطاغوت وما يُعبد من دون الله، فلم يعتقد بطلان عبادته ولم يجتنبها ولم يكفِّر من عبد غير الله ويتبرأ منهم فهو لا يعرف الفارق الصحيح بين الموحدين وغيرهم. 
9. فلا يمكن - وهذه حاله - أن يكون ممن أتى بالتوحيد لا بقلبه ولا بلسانه ولا بعمله، بل هو ممن دان بالشرك بقلبه ولسانه وجوارحه، ولم يتبع ملة إبراهيم فليس منه ولا على ملته، ومن لم يكن على ملة إبراهيم إمام الموحدين فليس هو على دين جميع المرسلين.
هذا هو حال جاهل التوحيد الذي يجادل عنه الألبانيون والعيثمينيون والمدخليون وغيرهم، ويعتقدون أن الحكم عليه بالإسلام هو عقيدة سلفنا الصالح ومذهب أهل السنة والجماعة.
هل يمكن من كان هذا حاله أن يكون مسلما؟
ونسأل القارئ: هل هذا الذي وصفنا هو حال جاهل التوحيد أم أنَّا قد ظلمناه ووصفناه بما هو منه بريء؟
فإن أجاب اللبيب العاقل بنعم، هذه حالة لا يتعدَّاها.
فنقول: أين هذا الجاهل من دين الله؟ هل أتى بالأصل الذي لا يكون مسلماً إلا به؟ وإن لم يأتِ به فما حكمه في دين الله؟ ما حكم من لم يوحد الله، لا بقلبه ولا بلسانه ولا بعمله؟
إجابة هذا السؤال يعرفها كل من عرف الإسلام، فمن خلال معرفة الإسلام الذي يريده الله يمكن معرفة حكم هذا الجاهل بكل يسر وسهولة.
فإذا عرفنا أن لا إسلام لمن لم يؤمن بأنه لا إله إلا الله، وأن الإيمان بها يكون بتحقيق ثلاثة أمور:
ألا نعبد إلا الله
ولا نشرك به شيئا
ونكفر ونخلع ما يعبد من دونه من وثن أو شجر أو حجر أو إنس أو جن.
فهل جاهل التوحيد حقق شيئا من هذا؟
هل عبد الله وحده ولم يعبد غيره؟
هل تبرأ من الشرك فلم يشرك بالله شيئا؟
هل اعتقد بطلان كل ما يعبد من دون الله؟
هل رفض وأنكر واجتنب الأرباب والآلهة والأنداد المعبودة من دون الله؟
هل تبرأ من الكفار والمشركين وكفَّرهم وأبغضهم؟
فإذا لم يحقق جاهل التوحيد شيئا من هذا، فهل يصح أن نقول أنه مؤمن بلا إله إلا الله مادام يقولها بلسانه ولا ينكرها؟!
هل يصح أن نسميه مسلما ونحن نعلم أنه لايؤمن بلا إله إلا الله وإنما يردد كلمة لا يفقه معناها؟!
هل يصح أن نسميه موحدا وهو يعبد غير الله؟!
هل يصح أن نسميه مؤمنا وهو لم يكفر بالطاغوت؟!
هذه أسئلة لن تصعب إجابتها على من عرف الإسلام الذي يريده الله وعرف الفرق بينه وبين ما سواه من الأديان الباطلة. وحريٌّ بمن حكم له بالإسلام أن يقف عندها ويبحث لها عن جواب صادق قبل يوم العرض.
القرآن والسنة وكلام أهل العلم يشهد بضلال من لا يعرف التوحيد
يقول الحق تبارك وتعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } [الأعراف : 29 - 30]
ويقول عز وجل: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف : 103 - 104]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله) رواه مسلم.
وفي صحيح مسلم أيضا عَنْ عُثْمَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ).
وقال صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ عَلَى أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَيُكْفَرَ بِمَا دُونَهُ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ) (صحيح مسلم)
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن: أجمع العلماء سلفاً وخلفاً من الصحابة والتابعين وجميع أهل السنة أن المرء لا يكون مسلماً إلا بالتجرد من الشرك الأكبر، والبراءة منه وممن فعله، وبغضهم ومعاداتهم حسب الطاقة والقدرة، وإخلاص الأعمال كلها لله. انتهى
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: لا خلاف أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شىء من هذا لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند
فإن عمل بالتوحيد ظاهراً وهو لا يفهمه أو لا يعتقده بقلبه فهو منافق. انتهى
ويقول بن حزم رحمه الله: وقال سائر أهل الإسلام: كل من اعتقد بقلبه اعتقاداً لا يشك فيه، وقال بلسانه( لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وأن كل ما جاء به حق، وبرئ من كل دين سوى دين محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه مسلم مؤمن. انتهى
ويقول ابن القيم رحمه الله: والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله ورسوله واتباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم، وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل. انتهى
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأيضاً فإن التوحيد أصل الإيمان، وهو الكلام الفارق بين أهل الجنة وأهل النار، وهو ثمن الجنة، ولا يصح إسلام أحدٍ إلا به.
ويقول: وإنما يصير الرجل مسلماً حنيفاً موحداً إذا شهد أن لا إله إلا الله، فعبد الله وحده، بحيث لا يشرك معه أحداً في تألهه ومحبته له، وعبوديته وإنابته إليه، وإسلامه له ودعائه له والتوكل عليه، وموالاته فيه ومعادته فيه، ومحبته ما يحب، وبغضه ما يبغض، ويفنى بحق التوحيد عن باطل الشرك.
ويقول: ودين الإسلام الذي ارتضاه الله وبعث به رسله هو: الاستسلام لله وحده، فأصله في القلب هو الخضوع لله وحده بعبادته وحده دون ما سواه، فمن عبده وعبد معه إلهاً آخر لم يكن مسلماً. انتهى
وقال الشيخان حسين وعبد الله أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب: 
إن الرجل لا يكون مسلماً إلا إذا عرف التوحيد، ودان به، وعمل بموجبه وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، وأطاعه فيما نهى عنه وأمر به، وآمن به وبما جاء به.انتهى
المسلم لا يشرك بالله 
لا يوجد مسلم لايعرف التوحيد، ولا يوجد مسلم يعبد غير الله، ومن جهل التوحيد ولم يكفر بما يعبد من دون الله فليس بمسلم وإن كان جاهلا يظن أنه أتى بالإسلام الواجب عليه.
ولفظ المسلم والموحد والحنيف تشترك في معنى واحد هو: عبادة الله وحده، وترك الشرك به، والكفر بما يُعبد من دونه. وجاهل التوحيد لم يأتِ بالوصف الذي يستحق أن يسمى به مسلماً ولا موحدا ولا حنيفا ولا مؤمنا.
يقول الحق تبارك وتعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)} [الكافرون : 1 - 6] . 
هذه السورة براءة من الشرك وأهله. فكل مسلم يبرأ من عبادة غير الله ومن الكفار والمشركين وما يعبدونه من دون الله، ولا يتحقق الإسلام بدون هذه البراءة، ومن المعلوم أن جاهل التوحيد لم يحقق هذه البراءة فلم يبرأ من عبادة غير الله ولا من الكفار ولا مما يعبدونه من دون الله، ومن كان هذه حاله يستحيل أن يكون مسلما وإن زعم أنه مسلم؛ لأنه لم يسلم لله بعد.
يقول ابن القيم وهو يتكلم عن فوائدها:
فتأمل هذه النكتة البديعة كيف تجد في طَيِّها أنه لا يوصف بأنه عابد لله وعبده المستقيم على عبادته، إلا من انقطع إليه بكليته، وتبتل إليه تبتيلاً، ولم يلتفت إلى غيره، ولم يشرك به أحداً في عبادته، وأنه وإن عبده وأشرك به غيره فليس عابداً لله، ولا عبداً له وهذا من أسرار هذه السورة العظيمة الجليلة. انتهى
فإيمان المسلم يمنعه ويحجزه عن الشرك بالله، وهو يعرف جيدا أنه لو أشرك بالله لخرج عن الإسلام وحبط عمله وصار من الكافرين، فهو لا يشرك بعبادة ربه أحدا ولا يدين بغير الإسلام، ويتبرأ من عبادة غير الله ومن كل دين يخالف الإسلام، وأما من لم يمنعه إسلامه الذي يدعيه من الوقوع في الشرك وتأليه غير الله فإسلامه غير صحيح، بل هو مجرد انتسابٍ وادعاءٍ كاذب.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
ولهذا كان كل من لم يعبد الله وحده، فلابد أن يكون عابداً لغيره، يعبد غيره فيكون مشركاً. وليس في بني آدم قسم ثالث، بل إما موحدٌ أو مشرك، أو من خلط هذا بهذا كالمبدِّلين من أهل الملل: النصارى ومن أشبههم من الضُّلَّال المنتسبين إلى الإسلام . قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)} [النحل : 99 - 100]..... فإبليس لا يغوي المخلصين ولا سلطان له عليهم. إنما سلطانه على الغاوين وهم الذين يتولونه وهم الذين به مشركون. وقوله (الذين يتولونه والذين هم به مشركون) صفتان لموصوف واحد فكل من تولاه فهو به مشرك وكل من أشرك به فقد تولاه. 
قال تعالى (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم). وكل من عبد غير الله فإنما يعبد الشيطان وإن كان يظن أنه يعبد الملائكة والأنبياء....  
فكل من لم يعبد الله مخلصاً له الدين، فلابد أن يكون مشركاً عابداً لغير الله، وهو في الحقيقة عابدٌ للشيطان. قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)} [الزخرف : 36 - 37].انتهى
وقال رحمه الله: والإيمان أمر وجودي، فلا يكون الرجل مؤمناً ظاهراً حتى يظهر أصل الإيمان، وهو: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله، ولا يكون مؤمناً باطناً حتى يقر بقلبه بذلك، فينتفي عنه الشك ظاهراً وباطناً مع وجود العمل الصالح.....
إلى أن قال: والكفر: عدم الإيمان، باتفاق المسلمين، سواء اعتقد نقيضه وتكلم به، أو لم يعتقد شيئا ولم يتكلم به...انتهى
فالتوحيد هو أصل الإيمان فمن أظهره كان مؤمناً، ومن فقد هذا الأصل فهو كافر مشرك، ويستحيل عقلاً وشرعاً أن يكون مؤمناً أو مسلماً.
يقول ابن القيم رحمه الله: والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به.
فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم، وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل.
فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله، إما عناداً أو جهلاً وتقليداً لأهل العناد، فهذا وإن كان غايته أنه غير معاند فهو متبع لأهل العناد، وقد أخبر الله في القرآن في غير موضع بعذاب المقلدين لأسلافهم من الكفار.... إلى أن قال:
بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير الإسلام فهو كافر، وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول....
ثم قال: هذا في أحكام الثواب والعقاب( يعنى مسألة قيام الحجة) وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر. انتهى
فتأمل تعريفه للإسلام، وأن من لم يأت به فليس بمسلم، وإذا لم يكن مسلماً فلا يكون إلا كافراً، بغض النظر عن سبب كفره ( سواء كان العناد أو الجهل أو الشك أو التقليد أو التكذيب أو الاستكبار أو الإعراض ).
ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله:
فمن قال هذه الكلمة( لا إله إلا الله) عارفاً لمعناها، عاملاً بمقتضاهاً، من نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله مع الاعتقاد الجازم لما تضمنته من ذلك، والعمل به فهذا هو المسلم حقاً.
فإن عمل به ظاهراً من غير اعتقاد فهو منافق.
وإن عمل بخلافها من الشرك فهو الكافر ولو قالها.
ألا ترى أن المنافقين يعملون بها ظاهراً وهم في الدرك الأسفل من النار، واليهود يقولونها وهم على ما هم عليه من الشرك والكفر فلم تنفعهم، وكذلك من ارتد عن الإسلام بإنكار شيء من لوازمها وحقوقها فإنها لا تنفعه، ولو قالها مائة ألف.
فكذلك من يقولها ممن يصرف أنواع العبادة لغير الله كعباد القبور والأصنام، فلا تنفعهم ولا يدخلون في الحديث الذي جاء في فضلها، وما أشبهه من الأحاديث،.... إلى أن قال: وعباد القبور نطقوا بها وجهلوا معناها، وأبوا عن الإتيان به فتجد أحدهم يقولها وهو يُألِّه غير الله بالحب والإجلال والتعظيم والخوف والرجاء والتوكل والدعاء عند الكرب..........
ثم قال: فكيف يظن عاقل ـ فضلا عن عالم ـ أن التلفظ بـ( لا إله إلا الله) مع هذه الأمور تنفعهم، وهم إنما قالوها بألسنتهم وخالفوها باعتقادهم وأعمالهم.انتهى
ويقول رحمه الله: اعلم أن العلماء أجمعوا على أن من صرف شيئاً من الدعاء لغير الله فهو مشرك ولو قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وصام وصلى، إذ شرط الإسلام مع التلفظ أن لا يعبد إلا الله، فمن أتى بالشهادتين وعبد غير الله، فما أتى بها حقيقةً وإن تلفظ بها، كاليهود الذين يقولون لا إله إلا الله وهم مشركون، ومجرد التلفظ لا يكفي في الإسلام بدون العمل بمعناها واعتقاده إجماعاً. انتهى
فمن لم يوحد الله وأشرك به جهلاً لا يمكن أن يوصف بالإسلام لا ظاهراً ولا باطنا، ولا حكما ولا حقيقة، ولا يمكن أن يوصف بغير الشرك الذي يشهد له ظاهره وحاله ومقاله، ولم يخالف في هذا أحد من المسلمين.
يقول سيد قطب رحمه الله: وأنا لا أتصور كيف أن جهل الناس ابتداء بحقيقة هذا الدين بجعلهم في دائرة هذا الدين.
إن الاعتقاد بحقيقةٍ فرعٌ عن معرفتها. فإذا جهل الناس حقيقة عقيدة، فكيف يكونون معتنقين لها؟ وكيف يُحسبون من أهلها وهم لا يعرفون ابتداءً مدلولها؟
إن هذا الجهل قد يعفيهم من حساب الآخرة، أو يخفف عنهم العذاب فيها، ويلقي بتبعاتهم وأوزارهم على كاهل من لا يعلِّمونهم حقيقة هذا الدين وهم يعرفونهما .. ولكن هذه مسألة غيبية متروك أمرها إلى الله .....إلى أن قال:
والذين يجهلون مدلول الدين لا يمكن أن يكونوا معتقدين بهذا الدين ؛ لأن الجهل هنا وارد على أصل حقيقة الدين الأساسية، والجاهل بحقيقة هذا الدين الأساسية لا يمكن عقلا وواقعاً أن يكون معتقداً به. إذ الاعتقاد فرع عن الإدراك والمعرفة. وهذه بديهية.
وخيرٌ لنا من أن ندافع عن الناس ـ وهم في غير دين الله ـ ونتلمس لهم المعاذير.... خير لنا من هذا كله أن نشرع في تعريف الناس حقيقة مدلول( دين الله) ليدخلوا فيه أو يرفضوه.انتهى
كل من لم يتبع الإسلام فهو كافر وإن اعتقد أنه على هدى
وأكثر أهل الأرض كفار جاهلون لا يتبعون الإسلام، وكل من لم يتبع الإسلام دين الله جهلا أو بعد العلم به فهو على دين غيره، فالجاهل لايعرف الإسلام ولا يدين به ومن لم يدن بالإسلام فهو كافر.
وليس كل من اعتقد أنه على هدى فهو مهتدٍ، وليس كل من ظنّ أنه على دين الإسلام فهو مسلم، ومن لم يعرف بأنّه يعبد غير الله فهو مشرك وإن لم يسمِّ معبوده إلها، فهذا لا ينفعه ولا يغني عنه شيئا، فأهل الكتاب الذين قال الله عنهم : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَربَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) (التوبة : 31) لم يكونوا يعتبرونهم أربابا، ولم يعتقدوا أنهم يعبدونهم، ولم يغن عنهم ذلك شيئا، لأنهم اتخذوهم كذلك في الحقيقة، فوصفهم الله بالشرك وهو حقيقة حالهم ولم يجعل جهلهم عذرا لهم في نفي الشرك عنهم، ولم يفرق بين من عبد المسيح وعزير وبين من أطاع الأحبار والرهبان في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحله.
ولم يكن كفر مشركي العرب لاعترافهم بعبادة غير الله وتسمية معبوداتهم آلهة، وإنما كفروا بمجرد عبادتهم لهم، وهي الشرك الذي سموا به مشركين، ولو كانت التسمية شرطا لتكفيرهم لكانت شرطا أيضا في كون عملهم كفرًا، وحكم من يكفر بالله ويشرك به من هذه الأمة كحكم سائر الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، فالكفر واحد وإن تسمى صاحبه بالمسلم، ولا يعفى منه لمجرد قول لا إله إلا الله.
لا إسلام إلا بمعرفة التوحيد والعمل به
يجب علينا أن ندرك جيداً أن هناك جانباً من الدين لا يكون الإنسان مسلما إلا بمعرفته والإعتقاد والعمل به، فمن لم يعتقد به أو لم يعمل به أو لم يعرفه أصلا فهو كافر، وهذا الجانب هو أصل الإسلام وهو التوحيد ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله، فإن جاهله لا يمكن أن يكون مسلما، وهو من جملة الكافرين، وإن ظل يردّد الشهادة طول حياته، وظن أنه يفهمها ويؤمن بها. فإن الشهادة تقتضي العلم بالمشهود به ولا بد.
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله، مستدلا على أن العلم شرط في الشهادة:
وفي الحديث ما يدل على هذا وهو قوله: (( مَنْ شَهِدَ)) إذ كيف يشهد وهو لا يعلم، ومجرد النطق بالشيء  لا يسمى شهادة به. انتهى
وكذلك قال ابن تيمية: والشهادة لابد فيها من علم الشاهد، وصدقه، وبيانه، لا يحصل مقصود الشهادة إلا بهذه الأمور. انتهى
فشرط العلم في الشهادة شرط ضروري لاينفك عنها، ومن لم يعرف ما يشهد به فشهادته باطلة، فالجاهل بالتوحيد لم يشهد بما شهد به الله وملائكته ورسله، فلا يُحسب قوله شهادة وهو غير نافع باتفاق المسلمين.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين: والمقصود أن كلمة التوحيد إذا شهد بها المؤمن عارفا بمعناها وحقيقتها نفيا وإثباتا، متصفا بموجبها، قائما قلبه ولسانه وجوارحه بشهادته، فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل من هذا الشاهد، أصلها ثابت راسخ في قلبه وفروعها متصلة بالسماء وهي مخرجة لثمرتها كل وقت.انتهى
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في كتابه فتح المجيد: قوله: " من شهد أن لا إله إلا الله " أي من تكلم بها عارفا لمعناها، عاملا بمقتضاها، باطنا وظاهرا، فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها؛ كما قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ}، وقوله: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه: من البراءة من الشرك، وإخلاص القول والعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح فغير نافع بالإجماع.انتهى
ويقول الشيخ سليمان في كتابه تيسير العزيز الحميد: أما قول الإنسان: " لا إله إلا اللّه " من غير معرفة لمعناها، ولا عمل به، أو دعواه أنه من أهل التوحيد، وهو لا يعرف التوحيد، بل ربما يخلص لغير اللّه من عبادته من الدعاء والخوف والذبح والنذر والتوبة والإنابة وغير ذلك من أنواع العبادات، فلا يكفي في التوحيد، بل لا يكون إلا مشركًا والحالة هذه، كما هو شأن عباد القبور.انتهى
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن في رسائله (الرسائل والمسائل النجدية ج2): وأصل دين الإسلام معرفة الشرك، والبراءة منه وإنكاره، ومعاداة أهله، ومعرفة التوحيد على الحقيقة، وقبوله ومحبته، وموالاة أهله، ومن لم يكن كذلك فليس له في الإسلام نصيب؛ لأن من لم يعرف الشرك لم يعرف التوحيد، ومن لم يعرفه كيف يعمل به. انتهى
الجهل بالتوحيد ليس كالجهل بما بعده من أحكام الشريعة
إن الذين يؤمنون بأن جاهل التوحيد مسلم لا يفرقون بين جهل أصل الدين وجهل ما بعده من أحكام الشريعة ويحسبون الأعمال كلها سواء، من جهل تحريم الخمر وأمثاله كمن جهل أحكام التوحيد من تحريم دعاء غير الله وأمثاله، ويعتقدون أن جهل الأمرين سواء، وكلا الجاهلَيْنِ مسلم في نظرهم.
والحق أن أصل الدين ليس كغيره من العبادات وفروع الشريعة الأخرى، فما يترتب على الجهل به وتركه ليس كمثل ما يترتب على الجهل والترك لغيره، فمن أتى بأصل الدين ولكنه جهل تحريم الخمر مثلا لا يقدح جهله هذا في إسلامه وتوحيده، وشارب الخمر مسلم عاصٍ مادام لا يشرك بالله، فإن دعا غير الله أو تحاكم إلى غير شريعة الله صار مشركا غير مسلم لأنه عبد غير الله، والذي يجهل التوحيد لم يسلم لله أصلاً فهو كافر جاهل. فشتان بين الفعلين وشتان بين الجهلين، فهناك فرق شاسع بين جهل معنى التوحيد ولوازمه وجهل ما دونه من أمور الدين.
فالجهل بالإسلام جهل بالله تعالى، فهو يعني عدم الإسلام، فيكون هذا الجاهل كافرا لعدم علمه بالتوحيد، فهو يرضى بالكفر ويستحله جاهلا، ويكون هذا الجهل سبباً لفعل الكفر والشرك بشتى صوره، فهو لا يفرق بين التوحيد ونقيضه.
فالشرك بالله وما يتعلق بفعله من الرضى أو المحبة أو اعتقاد صحته أو عدم الكفر به وبأهله هو الذي ينفي الإسلام، ولا يستقيم معه إسلام، لأن جهله يعني انتفاء الإسلام كله. فالذي يشرك بالله لا يصح شرعا وعقلا أن يسمى موحدا، وكيف وهو لا يعرف التوحيد ؟! 
إن الكفر والشرك بالله يكون بالاعتقاد أو القول أو العمل، والتوحيد والإسلام لا يكون إلا بالأركان الثلاثة مجتمعة، فإذا اختل شيء منها صار مشركا، والجهل بالتوحيد يعني انتفاء الأركان الثلاثة، فهل يعقل أن يكون مع جهله هذا مسلما؟!
الحكم بإسلام الجاهل المشرك بالله كفر يناقض أصل الدين والجهل بحكمه جهل بالإسلام
فإذا تبين هذا، فإن الذي يعتقد أن الجاهل المشرك بالله مسلم لادعائه الإسلام أو لقوله لا إله إلا الله أو لسبب آخر فهو كافر مثله، ومن لم يكفّرهما لجهله أو لسبب آخر فهو كافر مثلهما غير مسلم، كمن لم يكفّر اليهود والنصارى مثلاً. 
ولا يمكن لمسلم أن يشك في كفر جاهل التوحيد أو يجهل حكمه؛ لأن كل مسلم يعرف ما هو أصل الدين الذي يفرق بين الكافر والمسلم، ويعرف أنه اعتقاد وقول وعمل، وأن من جهله فقد جهل الإسلام ومن تركه فقد ترك الإسلام، فالجهل بحكم جاهل التوحيد جهل بأصل الإسلام؛ لأن أصل الإسلام يستلزم تكفير كل من لم يأتِ به، فمن لم يكفّره فهو مثله جاهلا كان أو عالما بحكمه.
وإذا كان المسلم الذي دخل في الإسلام بعد كفره لا يصح إسلامه حتى يعتبر نفسه كافرا من جملة الكافرين قبل دخوله في الإسلام يوم كان يشرك ويكفر بالله جهلا، فكيف يتوقف أو يشك في تكفير الذين بقوا على ما كان عليه هو من الكفر؟! هذا أمر لا يقبله العقل السليم ولا يشك في بطلانه مسلم.
فالإيمان بكفر من يجهل التوحيد من هذه الأمة من أصل الدين الذي لا يصح الإسلام بدونه، والجهل به هو جهل بالإسلام نفسه.
---- 
تم الدرس السادس بعون الله وتوفيقه، وبهذا نكون قد أكملنا الجزء الأول من سلسلة دروس تعلم التوحيد وما يتعلق به.
ولنا عودة إن شاء الله لمواصلة المشوار مع الجزء الثاني في وقت آخر عسى أن يكون قريبا إن كان في العمر بقية.
اللهم لك الحمد أنت خلقتنا ولم نكن شيئا مذكورا، ورزقتنا ولم يكن لنا حول ولا قوة، وهديتنا من بعد الضلالة ولولاك ما اهتدينا، وعلمتنا التوحيد ولولاك ما تعلمنا، وشرحت صدورنا لفهم دينك ولولا هدايتك ما انشرحت صدورنا، وأخرجتنا من الظلمات إلى النور ولولا فضلك ورحمتك ما خرجنا، سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستعينك ونستغفرك ونستهديك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله ونشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق. 
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
أعد هذه الدروس العبد الفقير إلى فضل ربه ورحمته وهدايته:
أبو الفضيل ناصر الدين بن عبد الرحمن النعيمي






الفهرس

الإسلام هو أصل دين الإسلام..............................................4
معنى كلمة الإسلام..........................................................9
المعنى الصحيح لـ (لا إله إلا الله) ........................................18
كيفية العمل بلا إله إلا الله وتطبيقها والالتزام بها في واقع الحياة.....30
كيف يتم الكفر بما يعبد من دون الله......................................40
حكم من يجهل التوحيد.....................................................56

اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا هنا مقاله بعنوان الجـامع المفيـد لدروس تعلم التوحيـد مدخل بسيط لتعلم دين الإسلام الجزء الثانى ل وهى منقوله من منبر التوحيد لمن اراد النسخة كامله

بسم الله الرحمن الرحيم  
نتناول موضوع مفيد لمن يريد ان يتعلم تعالم دينه الصحيح تعاليم دين الاسلام من خلال مدخل بسيط لتعليم دين الاسلام للشيخ العلامه أبو الفضيل ناصر الدين بن عبد الرحمن النعيمي 

الحمد لله الحمد لله الحمد لله الذي أخرجنا من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن ظلمات الكفر إلى نور الإيمان وأنقذنا بفضله ومنِّه وكرمه بعد أن كدنا نكون من جُثِيِّ جهنم وحطبها، وجعلنا مسلمين له حنفاء غير مشركين به شيئا.
الدرس الثالث
المعنى الصحيح لـ (لا إله إلا الله)
عرفنا فيما سبق أن للإسلام أصلاً لا يقوم ولا يتحقق إلا به ألا وهو توحيد الله عز وجل وإفراده بالعبادة والكفر بالألهة والأرباب المعبودة من دونه ؛ ولأن هذا الأصل هو المدخل لهذا الدين وأول ما يستسلم به العبد لربه فلابد إذاً من معرفته وتعلمه بأدلته وبراهينه من غير تقليد بلا حجة ولا برهان؛ وذلك ليتمكن العبد من الإتيان به اعتقادا وقولا وعملا؛ فيكون مسلما كما يريده الله لا كما يدعي العلمانيون وأتباعهم الجهلة ممن يجادلون عن جاهل التوحيد ويحكمون له بالإسلام ظلما وزورا وبهتاناً، وهو لا يعرف الإسلام ولا يعتقده ولا يقر به ولا يعمل به.
وقد جعل الله عز وجل كلمة التوحيد لا إله إلا الله دالةً عن هذا الأصل العظيم، وبعث بها جميع رسله وأنبيائه، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:25)  فمدلول هذه الكلمة هو التوحيد الذي أقيم عليه دين الإسلام، وليس المراد مجرد قولها باللسان بل لا بد من الاعتقاد والقول والعمل، ولا يتم ذلك إلا بعد معرفة معناها الذي يريده الله عز وجل، وقد جاء ذلك واضحا في قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)(النحل: من الآية36)
فهذه الكلمة العظيمة تتكون من ركنين:
الركن الأول: النفي (لا إله)، والذي يطابق في الآية السابقة قوله تعالى (وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)
الركن الثاني: الإثبات (إلا الله)، والذي يطابق في الآية السابقة قوله تعالى (اعْبُدُوا اللَّهَ)
فقل لي بالله عليك أيها القارئ هل يستطيع أحد أن ينفي ويثبت ما تعنيه هذه الكلمة وهو يجهل معناها؟!!
ومعنى الإله هو المعبود. فكل معبود سوى الله باطل، وكل عبادة صرفت لغير الله ضلال وشرك بالله الواحد الأحد. فلا يستحق العبادة إلا الله الواحد القهار، الذي له الخلق والملك والأمر. فمن عبد الله وحده فقد وحّده في ألوهيته، وأدَّى حقه عليه، ومن عبد غير الله فقد اتخذه إلهاً مع الله وجعل لله شريكاً، وكل من عبد شيئاً فهو إلهه.
و (الألوهية) هي العبادة، وهي حق الله الخالص على عباده أجمعين، ودينه الذي ارتضاه للناس كافة، ولا تصح العبادة إلا بالتوحيد، فمن جعل العبادة شركة بين الله وخلقه فما عبد الله ولا آمن بألوهيته.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:  فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته ؛ فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد ؛ كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة؛ فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت، كالحدث إذا دخل في الطهارة، كما قال تعالى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) (التوبة:17).انتهى
فعمارة المسجد الحرام عبادة، ولكن لما دخل عليها الشرك حبطت وفسدت وأصبحت لا قيمة لها .
فمثلاً: الصلاة عبادة، فمن كان موحدا لله عز وجل لا يشرك به شيئا قُبِلَتْ صلاته، وتكون صلاته عبادة وقربة لله، ومن أشرك بالله لم تقبل صلاته، ولا تسمى هذه الصلاة عبادة لله، لأن شِرْكَه بالله أفسد عليه عباداته كلها، فصلاته باطلة مثل صلاة من صلى بغير وضوء، ولا يكون بهذه الصلاة عابداً لله .
قال تعال: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر:65) 
و (توحيد الألوهية) هو توحيد العبادة، أي إخلاص العبادة لله وحده لاشريك له، والبراءة من كل معبود غير الله.
-
فلا إله إلا الله تثبت الألوهية لله وحده وتنفيها عن كل ما سواه كائنا من كان نبيا أو مَلَكاً أو شيخاً عالما أو ولياً صالحاً أو جِنّاً أو شيطانا أو شجرا أو حجرا أو قبراً أو صنما أو غير ذلك.
فأهل لا إله إلا الله يؤمنون إيمانا صادقا قولا وعملا بأنه ليس في الكون كله من يستحق أن يصرف له شيء من العبادة والخضوع والاستسلام، وأن ذلك كله لله وحده المتفرد بالخلق والملك والأمر، ويعرفون جيدا أن ذلك لا يتحقق بالقول فقط، ولا بالقول والاعتقاد دون العمل، بل بالاعتقاد الجازم والقول الصادق والعمل الخالص.
ولا يتحقق توحيد الله إلا بنفي ما نفته كلمة التوحيد واثبات ما أثبتته، فالنفي وحده ليس توحيداً، وكذلك الإثبات وحده لايكون توحيداً، والتوحيد هو النفي والإثبات جميعاً.
وأيضا لا يتحقق توحيد الله بمجرد الإيمان بأنه لا خالق ولا رازق ولا مالك ولا مدبر ولا محيي ولا مميت ولا نافع ولا ضار إلا الله، فإن هذا وحده لا يكفي في الدخول للإسلام، فمن الكفار من يقر بهذا ولا يكون به مسلما بل كافر حلال الدم والمال، بل لابد أن يضيف إليه الإيمانَ بأنه لا معبود إلا الله وأن كل معبود غيره باطل، وأن يكون ذلك بقلبه ولسانه وجوارحه صدق وإخلاصا ومحبة وانقيادا.
وتأمل في الرد الذي رده كفار قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم  لما قال لهم: (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)، فأجابوا بقولهم: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)، وقد كانوا يعبدون الله ويعبدون معه آلهة أخرى، فعرفوا أن هذه الكلمة التي دعاهم إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعني أن الآلهة التي يعبدونها مع الله كلها باطلة لا تستحق أن تعبد، وأنهم كانوا على ضلال في عبادتهم إياها مع الله، وأن الذي يستحق العبادة هو الله وحده، فإذا قالوا لا إله إلا الله فإنهم سيتركون كل الآلهة التي يعبدونها ويكفرون بها إلا إلهٌ واحدٌ هو الله عز وجل، فامتنع أكثرهم من قول هذه الكلمة واستكبروا عن توحيد الله، قال تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) (الصافات35 :36)
مع أنهم كانوا: 
- لا يشكُّون أن الله وحده هو الذي يخلق ويرزق ويحي ويميت وهو الذي يملكهم ويملك آلهتهم 
- وما كانوا يعبدون هذه الآلهة إلا لظنهم أنها تقربهم وتشفع لهم عند الله . 
- وكانوا أيضا يظنون أن عبادة هذه الآلهة حق، وأنها من الدين الذي يرضاه الله. 
- وأنهم لازالوا على دين إبراهيم لم يغيروا . 
- وأن محمدا صلى الله عليه وسلم  هو الذي جاء بدين جديد، كما حكى الله عنهم: (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ، مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ) .
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: فلو تكلموا بها لَلَزِمهم أن يتركوا عبادة ما كانوا يعبدونه من الأصنام والأوثان، فتركوا التلفظ بما يلزمهم به من ترك دينهم، فلم ينفوا الإلهية عما كانوا يعبدونه من دون الله، فلذلك تركوا التلفظ بها.
وأما مشركو آخر هذه الأمة، فجهلوا معناها فتلفظوا بها، مع عدم نفيهم لما نفته من الشرك بعبادة الأوثان والأصنام، الذي عمت به البلوى في هذه الأعصار والأمصار؛ ولا ينكر وقوعه إلا من أعمى الله قلبه، وأطفى نور بصيرته بالكلية.انتهى
فإذا عرفت أن كفار قريش عرفوا معنى كلمة التوحيد معرفةً جيدة، فاحذر أن تكون أجهل من كفار قريش، واحرص على تعلم هذه الكلمة الفارقة بين المسلمين والمشركين . 
واعلم أن معنى لا إلـه إلا اللـه هو: نفي الإلهية عن كل شيء إلا الله تبارك وتعالى، وإثباتها كلها لله وحده، لا شريك له، و الإلهية هي العبادة، فهي خالصة لله وحده، وعبادة غير الله كلها باطلة .
فكما أن قولك: لا خالق إلا الله، معناه لا يخلق الخلق إلا الله، لا يشاركه في ذلك أحد، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا غيره. وقولك: لا رازق إلا الله، يعني أن الرزق كله من عند الله وحده .
فإن قولك: لا إله إلا الله، يعني لا أحد يستحق العبادة إلا الله، فهي توحيد لله وإخلاص الإلهية له وحده، أي العبادة لله وحده، لا يشاركه فيها أحد من خلقه.
التوحيد ليس مجرد كلمة تقال باللسان
واعلم أن لا إله إلا الله ليست مجرد كلمة تقولها بلسانك وإنما هي شهادة وإقرار منك بألا تعبد إلا الله وأن تكفر بكل معبود سواه، وهي عهد وثيق مع الله بأن تكون مسلما له وحده بقلبك ولسانك وجوارحك، وهي دين تدين به لله عز وجل توالي وتعادي عليه، توالي من معك على هذا الدين وتحكم له بالإسلام وتتبرأ ممن دان بغيره وتكفِّره وتبغضه، وهي منهج تسير عليه في حياتك كلها، وعَلَمٌ يمميزك عن الكفار والمشركين وحد فاصل بينك وبينهم. 
وكثير من الناس يعلم أن معنى لا إله إلا الله أنه لا معبود بحق إلا الله، ولكنه لا يلتزم بذلك في حياته فلا يكفر بكل المعبودات المؤلهة مع الله لظنه أنها تعني نفي عبادة الأصنام فقط كالتي كانت تعبدها قريش في الجاهلية، أما عبادة القبور فلا يراها مضادة لتوحيد الله لأنه يظن أنها قربة لله لما يعتقد لأصحابها من المكانة عند الله، فيعتقد أنه يتقرب إلى الله بمحبتهم ودعائهم والذبح لهم والتبرك بهم، ويعتقد أنهم واسطة بين الله وخلقه، ونسي هذا الجاهل أن فعله واعتقاده هذا هو نفس فعل قوم نوح وكفار قريش بأصنامهم التي منها ما هو على أسماء الصالحين كَوَدَّ وسواع ويغوث ويعوق ونسرا واللات، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)(الزمر: من الآية3)
وقال عز وجل: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (يونس:18) 
فلم يعرف هذا الجاهل معنى لا إله إلا الله وإن قال أن معناها لا معبود بحق إلا الله، فلِجَهْلِه أشرك بالله واتخذ من دونه آلهة، فكل معبود هو إله لعابده، وجَهْلُ هذا وأمثاله بمعنى لا إله إلا الله لا يعفيه من الحكم عليه بالشرك في هذه الدنيا، ولا يكون مسلما بمجرد قولها وهو يفعل الشرك ويعتقده ويدين بما يدين به المشركون، فالإسلام ليس معناه أن تقول لا إله إلا الله دون أن تعرف معناها وتعتقده وتعمل به، ليس هذا هو الإسلام الذي يريده الله.
ويزعم كثير من الناس اليوم أن أمثال هذا الجاهل مسلم ولا يجوز تكفيره.
فمن قال لهم ياترى أن الله يرضى من العباد مجرد التلفظ بحروف لا إله إلا الله من غير معرفة معناها ولا اعتقاد ولا إقرار ولا عمل؟!!
أما القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم فلا يعتبر بإيمان أحد حتى يكفر بالطاغوت ويعبد الله وحده، قال الله جل وعلا: )َفمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)(البقرة: من الآية256). وقال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء:60) 
وأما السنة فكذلك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  (( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله)) رواه مسلم.
فمن قال لا إله إلا الله ولم يكفر بالطاغوت وما يعبد من دون الله لا يكون من المسلمين، هكذا يقول الله ورسوله.
وأما العلماء المتبعين للكتاب والسنة فيقولون: وأجمع العلماء سلفا وخلفا، من الصحابة والتابعين، والأئمة، وجميع أهل السنة أن المرء لا يكون مسلما إلا بالتجرد من الشرك الأكبر، والبراءة منه وممن فعله، وبغضهم ومعاداتهم بحسب الطاقة، والقدرة، وإخلاص الأعمال كلها لله. قال هذا الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ وتجده في الدرر السنية.
ويقول في كتابه فتح المجيد: قوله: " من شهد أن لا إله إلا الله " أي من تكلم بها عارفا لمعناها، عاملا بمقتضاها، باطنا وظاهرا، فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها; كما قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ}، وقوله: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه: من البراءة من الشرك، وإخلاص القول والعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح فغير نافع بالإجماع. انتهى
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب تعليقا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله))، قال:
وهذا من أعظم ما يبين معنى: لا إله إلا الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للمال والدم، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده، حتى يضيف إلى ذلك: الكفر بما يعبد من دون الله؛ فإن شك أو تردد، لم يحرم ماله ودمه، فيالها من مسألة ما أجلها! وياله من بيان ما أوضحه! وحجة ما أقطعها للمنازع!. انتهى
قال حفيده الشيخ سليمان بن عبد الله: وقد أجمع العلماء على معنى ذلك فلا بدّ في العصمة من الإتيان بالتوحيد، والتزام أحكامه، وترك الشرك. انتهى
وقال حفيده الشيخ عبد الرحمن بعد أن ذكر هذا الكلام: وهذا الذي ذكره شيخنا هو معنى لا إله إلا الله مطابقة، وهو معنى قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}، وهذا لا يشك فيه مسلم - بحمد الله -، ومن شك فيه فلم يكفر بالطاغوت؛ وكفى بهذا حجة على المعترض، وبيانا لجهله بالتوحيد، الذي هو أصل دين الإسلام وأساسه.انتهى
ويقول ابن تيمية رحمه الله: فمن جعل الملائكة أو الأنبياء وسائط، يدعوهم ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنوب، وهداية القلوب، وتفريج الكربات، وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين.انتهى . وقال أبو بطين: وهذا الذي ذكر الشيخ أن من فعله كافر بإجماع المسلمين، هو الذي يفعل اليوم عند هذه المشاهد المشهورة في أكثر بلاد الإسلام، بل زادوا على ذلك أضعافه، وضموا إلى ذلك الذبح والنذر لهم، وبعضهم زاد السجود لهم في الأرض.
فنقول: كل من فعل اليوم ذلك عند هذه المشاهد، فهو مشرك كافر بلا شك، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع؛ ونحن نعلم أن من فعل ذلك ممن ينتسب إلى الإسلام، أنه لم يوقعهم في ذلك إلا الجهل، فلو علموا أن ذلك يبعد عن الله غاية الإبعاد، وأنه من الشرك الذي حرمه الله، لم يقدموا عليه، فكفرهم جميع العلماء، ولم يعذروهم بالجهل، كما يقول بعض الضالين: إن هؤلاء معذورون لأنهم جهال.
وهذا قول على الله بغير علم، معارض بمثل قوله تعالى: {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}  الآية، {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً}  الآيتين. انتهى
وقال أيضا الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: ظاهر الآيات، والأحاديث، وكلام جمهور العلماء تدل على كفر من أشرك بالله فعبد معه غيره، ولم تفرق الأدلة بين المعين وغيره، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}، وقال تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، وهذا عام في كل واحد من المشركين.
وجميع العلماء في كتب الفقه، يذكرون حكم المرتد، وأول ما يذكرون من أنواع الكفر والردة: الشرك، فقالوا: إن من أشرك بالله كفر، ولم يستثنوا الجاهل، ومن زعم لله صاحبة أو ولدا كفر، ولم يستثنوا الجاهل، ومن قذف عائشة كفر، ومن استهزأ بالله أو رسله أو كتبه، كفر إجماعا، لقوله تعالى: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ؛ ويذكرون أنواعا كثيرة مجمعا على كفر صاحبها، ولم يفرقوا بين المعين وغيره..........
وأعظم أنواع الكفر: الشرك بعبادة غير الله، وهو كفر بإجماع المسلمين، ولا مانع من تكفير من اتصف بذلك، كما أن من زنى قيل: فلان زان، ومن رابى: قيل: فلان مراب.انتهى
فأي دين يدين به هؤلاء الألبانيون والعثيمينيون والمدخليون ومن على شاكلتهم إذا كان الكتاب والسنة والمسلمون قاطبة لا يقولون بقولهم.
( قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(يونس: من الآية18) 
(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه)(الشورى: من الآية21) 
( قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ)(الأنعام: من الآية148) 
(أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(يونس: من الآية35)
فاحرص أيها القارئ على تعلم الإسلام وأخْذِه من النبع الصافي كتاب الله وسنة رسوله، ولا تقل كما قالت اليهود والنصارى: قالوا لا نسبق علماءنا بشيء ما أمرونا به ائتمرنا وما نهونا عنه انتهينا. ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم. وقد قال الله واصفاً حالهم هذه: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً )(التوبة: من الآية31)
قال الشوكاني في فتح القدير: وفى هذه الآية ما يزجر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد عن التقليد في دين الله وتأثير ما يقوله الأسلاف على ما في الكتاب العزيز والسنة المطهرة فإن طاعة المتمذهب لمن يُقتدى بقوله ويستن بسنته من علماء هذه الأمة مع مخالفته لما جاءت به النصوص وقامت به حجج الله وبراهينه ونطقت به كتبه وأنبياؤه هو كاتخاذ اليهود والنصارى للأحبار والرهبان أربابا من دون الله؛ للقطع بأنهم لم يعبدوهم بل أطاعوهم وحرموا ما حرموا وحللوا ما حللوا وهذا هو صنيع المقلدين من هذه الأمة وهو أشبه به من شِبْهِ البيضة بالبيضة والتمرة بالتمرة والماء بالماء.
فيا عباد الله ويا أتباع محمد بن عبد الله ما بالكم تركتم الكتاب والسنة جانبا وعمدتم إلى رجال هم مثلكم في تَعَبُّدِ الله لهم بهما، وطلبه منهم للعمل بما دلَّا عليه وأفاداه، فعملتم بما جاءوا به من الآراء التي لم تعمد بعماد الحق ولم تعضد بعضد الدين، ونصوص الكتاب والسنة تنادي بأبلغ نداء وتصوِّت بأعلى صوت بما يخالف ذلك ويباينه، فأعرتموهما آذانا صما وقلوبا غلفا وأفهاما مريضة وعقولا مهيضة وأذهانا كليلة وخواطر عليلة، وأنشدتم بلسان الحال: 
وَهَل أَنا إلاَّ مِنْ غَزِيَّةَ إنْ غًَوَتْ *** غَويْتُ وَإنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أرْشُدِ
فدعوا - أرشدكم الله وإياي - كُتباً كتبها لكم الأموات من أسلافكم، واستبدِلوا بها كتاب الله خالقهم وخالقكم ومتعبدهم ومتعبدكم ومعبودهم ومعبودكم، واستبدِلوا بأقوال من تدعونهم بأئمتكم وما جاءوكم به من الرأي بأقوال إمامكم وإمامهم وقدوتكم وقدوتهم وهو الإمام الأول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
دَعُوا كل قول عند قول محمد *** فما آمن في دينه كمخاطر  
اللهم هادي الضال مرشد التائه موضح السبيل اهدنا إلى الحق وأرشدنا إلى الصواب وأوضح لنا منهج الهداية. انتهى كلام الشوكاني
فالتوحيد الذي يصيِّر الكافر باعتقاده والإقرار والعمل به مسلما هو إخلاص العبادة لله ونفيها عما سواه، وليس مجرد التلفظ بحروف لا إله إلا الله من غير معرفة ولا اعتقاد ولا عمل.
التوحيد يتحقق بثلاثة أمور
من أراد أن يسلم لله ويؤمن بلا إله إلا الله كما يريده الله عز وجل فيجب عليه:
ألا يعبد إلا الله
ولا يشرك به شيئا
ويكفر بالأرباب والآلهة والأنداد وسائر المعبودات من دون الله
والأدلة على هذا كثيرة من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه وهو محل اتفاق بين المسلمين جميعا
الأدلة من كتاب الله 
قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)(النحل: من الآية36) فالله عز وجل ما بعث رسولا إلا وكانت بداية دعوته الأمر بعبادة الله وحده والكفر والاجتناب لما يعبد من دونه، ولا يتم الانتقال من الكفر إلى الإسلام إلا بتحقيق هذا الأصل، ومعلوم أن عبادة الله وحده والكفر والاجتناب لما يعبد من دونه لا يتحقق بالقول فقط بل لابد من القول والعمل.
واعلم أن كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت ولا تنفع عبادة الله إلا بشرط اجتناب عبادة ما سواه.
 وقال تعالى: (إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ)(فصلت: من الآية14) 
وأما قول الله تعالى: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)(الأعراف: من الآية59) فهو أول ما يقرع به الرسول أسماع قومه المشركين، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، وهو يتضمن الإثبات: (اعْبُدُوا اللَّهَ)، والنفي: (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) أي مالكم من معبود يستحق العبادة سواه.
وقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لقومه (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) هو مثل قول نوح وهود وصالح وغيرهم (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ).
وقد كان المشركون يعرفون جيدا ما يدعوهم إليه رسل الله، تعرف هذا من خلال ردودهم التي حكاها الله عنهم.
فأما قوم نوح فقالوا: (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) (نوح:23)  وأما قوم هود فقالوا: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا )(لأعراف: من الآية70) 
وأما قوم صالح فقالوا: (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا)(هود: من الآية62)
وأما قوم شعيب فقالوا: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا)(هود: من الآية87)
وأما قوما نبينا عليه السلام فقالوا: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) (صّ:5)
-  وفي دعوة يوسف عليه السلام لصاحبيه في السجن بيان لحقيقة الإسلام، قال لهما: (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف الآية من 37 - 40)
فدعاهم إلى: أن يعبدوا الله 
ولا يشركوا به شيئا 
وأن يتبرؤوا من الأرباب المعبودة من دونه. 
هذا هو الإسلام الدين القيم، ولكن أكثر الناس قديما وحديثا لا يعرفونه.
- وقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ )(الاسراء: من الآية23) وقال: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً )(النساء: من الآية36) بيان معنى لا إله إلا الله بأن لا يعبد إلا الله ولا يشرك به شيئا.
- ولما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو أهل الكتاب للإسلام بعث لهم رسالة فيها قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:64). فهذه الآية تبين المعنى الصحيح لكلمة التوحيد.
والكلمة السواء هي لا إله إلا الله، ولا يؤمن بها إلا من حقق هذه الثلاث:
أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ
وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً
وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ، فلا نتخذ أربابا من دون الله بل لابد أن نكْفر بالأرباب المعبودة من دونه.
-
ففي هذه الآيات السابقة دليل كافٍ وحجة ساطعة وبرهان قاطع على صحة ما قلناه (فمن أراد أن يسلم لله ويؤمن بلا إله إلا الله كما يريده الله عز وجل فيجب عليه: 
ألا يعبد إلا الله 
ولا يشرك به شيئا 
ويكفر بالأرباب والآلهة والأنداد وسائر المعبودات من دون الله).
الأدلة من السنة والسيرة الصحيحة الثابتة
كانت دعوته صلى الله عليه وسلم رسالة عامة للعالمين ولم تكن مخالفة لدعوة الرسل من قبله بل كان على نهج من قبله من الأنبياء متبعاً ملة إبراهيم عليه السلام،  فكان يدعو قومه ليوحدوا الله ولا يشركوا به شيئا ويتركوا ما يعبد آباؤهم من دون الله . ويعبر عن هذا كله قول: "لا إله إلا الله". وقد عرفوا أنهم مطالبون بهذا الترك، قال الله عنهم: (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) (الصافات:36) 
وإليك الدليل على ما قلنا:
1- ما جاء في الصحيح من حديث سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (( لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ أَيْ عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ....)) .الحديث
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله،  فيه معرفتهما لمعنى " لا إله إلا الله" لأنهما عَرَفَا أن أبا طالب لو قالها لبَرِئ من ملة عبد المطلب، فإن ملة عبد المطلب هي الشرك بالله في الإلهية، وأما الربوبية فقد أقروا بها.انتهى 
ففي هذا الحديث المجمع على صحته، دلالة واضحة أنه لا يقول لا إله إلا الله إلا من برئ من كل دين أساسه الشرك بالله، وقد علم كفار قريش أن الذي أراده رسول الله منهم بقول " لا إله إلا الله" ليس مجرد اللفظ بل هو القول والاعتقاد والعمل، وأنها البراءة التامة مما كانوا عليه من دين الآباء والأجداد، والذي هو عبادة الأصنام من دون الله.
2- وفي سؤال هرقل لأبى سفيان عما يدعو إليه هذا النبي أجاب أبو سفيان بما فهمه من  دعوته والحديث ثابت في الصحيح: قال هرقل: (( .... قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ)). يقول ابن حجر رحمه الله: قوله: (( وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ)). هِيَ كَلِمَة جَامِعَة لِتَرْكِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة .
فتأملوا في هذا الأثر الصحيح الواضح وضوح الشمس:
اعبدوا الله وحده
ولا تشركوا به شيئا
واتركوا ما يقول آباؤكم، (وهو الكفر بما كان يدين به المشركون)
هذا هو الإسلام الذي كان يدعوهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- حديث عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ في صحيح مسلم: وفيه: (( .... فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ قَالَ: أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ قُلْتُ: لَهُ فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا قَالَ: حُرٌّ وَعَبْدٌ)) .
فتأملو في هذا الحديث أيضا:
أن يوحد الله
لا يشرك به شيئا
وكسر الأوثان 
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: فليتأمل المؤمن الناصح لنفسه ما في هذا الحديث من العبر .... 
إلى أن قال: وفيه من العبر أيضا أنه لما قال: " أرسلني الله". قال: بأي شيء أرسلك؟ قال بكذا وكذا. فتبين أن زبده الرسالة الإلهية، والدعوة النبوية، هو توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له وكسر الأوثان، ومعلوم أن كسرها لا يستقيم إلا بشدة العداوة، وتجريد السيف، فتأمل زبده الرسالة.
وفيه أيضا أنه فهم المراد من التوحيد، وفهم أنه أمر كبير غريب، ولأجل هذا قال: (( ....فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا قَالَ: حُرٌّ وَعَبْدٌ)). فأجابه أن جميع العلماء والعباد والملوك والعامة مخالفون له ولم يتبعه على ذلك إلا من ذكر، فهذا أوضح دليل على أن الحق قد يكون مع أقل القليل وأن الباطل قد يملأ الأرض. انتهى .
4- حديث ضمام بن ثعلبة وفيه: (...قال أنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله بعثك إلينا رسولا؟ قال اللهم نعم. قال أنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن نعبده ولا نشرك به شيئا وأن نخلع هذه الأوثان والأنداد التي كان آباؤنا يعبدون؟ فقال صلى الله عليه وسلم اللهم نعم ....) وأصل الحديث مروي في الصحيحين وغيرهما، إلا أن هذه الزيادة عند الحاكم وأحمد والدارمي وأبي داود وغيرهم.
فتأملوا ما في الحديث:
آلله أمرك أن نعبده
ولا نشرك به شيئا
وأن نخلع هذه الأوثان والأنداد التي كان آباؤنا يعبدون
ولعل اللبيب العاقل المتجرد يكفيه ما ذ كرنا له من الأدلة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن دعوته إلى مجرد التلفظ بكلمة التوحيد دون معرفة معناها والعمل بمقتضاها،  ولكنها كانت دعوة إلى :
أن يعبد الله وحده
ولا يُشرك به شيئا
وأن يُكفر بالآلهة والأرباب والطواغيت المعبودة من دونه
وهذا الأمر قد عَلِمه المشركون قديما وعَلِمه اليهود والنصارى والفرس والروم وهو معلوم بالضرورة من دين الإسلام.
وقد ذكرنا الأدلة الكافية على أن هذه الدعوة هي دعوة جميع المرسلين، وأنهم على هذا اجتمعوا، وعلى هذا خالفوا أقوامهم المشركين، وعلى هذا كانت العداوة بين الرسل وأتباعهم وهم فريق الموحدين، وبين الملأ من الذين كفروا وأتباعهم وهم فريق المشركين.
فمن أراد أن يكون من المسلمين فليدخل في دينهم من الباب الذي دخلوا منه، وليشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ولا بد أن تكون شهادته شهادة صادقة، ولن تكون كذلك إلا بمعرفة معناها والعمل بها قولا وعملا، 
فلا يعبد إلا الله ولا يعبده إلا بما شرع
ولا يشرك به شيئا
ويكفر ويجتنب بكل ما يعبد من دونه.
كما قال صلى الله عليه وسلم: ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله) رواه مسلم.
وفي صحيح مسلم عَنْ عُثْمَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ».
قال ابن تيمية – رحمه الله – في مجموع القتاوى: وَإِنَّمَا يَصِيرُ الرَّجُلُ مُسْلِمًا حَنِيفًا مُوَحِّدًا إذَا شَهِدَ : أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ . فَعَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ بِحَيْثُ لَا يُشْرِكُ مَعَهُ أَحَدًا فِي تَأَلُّهِهِ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ وَعُبُودِيَّتِهِ وَإِنَابَتِهِ إلَيْهِ وَإِسْلَامِهِ لَهُ وَدُعَائِهِ لَهُ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَمُوَالَاتِهِ فِيهِ ؛ وَمُعَادَاتِهِ فِيهِ ؛ وَمَحَبَّتِهِ مَا يُحِبُّ ؛ وَبُغْضِهِ مَا يُبْغِضُ، وَيَفْنَى بِحَقِّ التَّوْحِيدِ عَنْ بَاطِلِ الشِّرْكِ ؛ وَهَذَا فَنَاءٌ يُقَارِنُهُ الْبَقَاءُ فَيَفْنَى عَنْ تَأَلُّهِ مَا سِوَى اللَّهِ بِتَأَلُّهِ اللَّهِ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَيَنْفِي وَيَفْنَى مِنْ قَلْبِهِ تَأَلُّهَ مَا سِوَاهُ ؛ وَيُثْبِتُ وَيُبْقِي فِي قَلْبِهِ تَأَلُّهَ اللَّهِ وَحْدَهُ ؛ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ - : { مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ }.انتهى
نسأل الله أن يجعلنا من أهل لا إله إلا الله في الدنيا والآخرة. اللهم آمين